أعد يا أخا الورق فالليل جن
وغن فدونك واد أغن
ألفتك لما أعتزلت البشر
وعانيت مثلك طول السهر
أنوح بنوحك فوق الشجر
كعود يردد نغم الوتر
لو العود يدرك مثلي الشجن
حبتك الغصون بعرش رفيع
وصاغتك لك التاج زهر الربيع
فأنت المليك بوادٍ بديع
وما أنا إلا كعبد مطيع
تولى هواك وفيك افتتن
شدوت فأبطلت فن الأساءة
وصرت تعالج بالبينات
فما أنت إلا من المعجزات
ومنك بدا لي سر الحياة
فطوراً سرور وطورا حزن
تنوح فتهتك ستر الخفاء
وتلهمه الروح قبل الهواء
كأني الكليم أتاه النداء
وذو النون منتبذاً بالعراء
قريح الفؤاد هزيل البدن
إذا البدر أشرق فوق الأديم
وصافحت البان كف النسيم
وريع السكون بصوت رخيم
فنوحك بهجة ذاك النعيم
ونضرة ذاك الجمال الحسن
ليبتسم الصبح للبلبل
ليحتفل الجو بالأجدل
لتصف الحياة لقلب الخلي
ليحتمل السهد من يبتلي
ليخف الكئيب وراء الدُّجن
فما العيش يا صاح إلا نغم
بكى منه ذاك وهذا ابتسم
تنافى الشعور به فانقسم
هناء لبعض وبعض ألم
فتطرب نفس وأخرى تئن
دع الليل يسحب ذيل الغسق
علينا ويكحل جفن الشفق
وعد نتعاطى كؤوس الأرق
لكيلا يفوتك باقي الرمق
فبعد الحياة يطول الوسن
دع الليل يملأ أرجاءها
هدوءاً ويطرد ضوضاءها
ولا تسأل النفس ما ساءها
فلا فم تشكو به داءها
ولا في زمانك من يؤتمن
تذكرت يا ورق عصر الشباب
وكيف انخذعت بلمع السراب
وما كنت أعلم خلف الحجاب
زماناً يناقشني بالحساب
وينتابني في ضروب المحن
ذكرت رفاقي عند الصغر
وتجوالنا تحت ضوء القمر
فها هي نفسي برغم الكبر
أراها تمثل تلك الصور
وإن غيرتها صروف الزمن
أراني أحن لتلك اليالي
وترتاح نفسي لذاك الخيال
هوى لا لحسن عديم المثال
ولكن للنفس حبل اتصال
شعرت به في رضاع اللبن
تمر البساطة في خاطري
فيرمق شزراً لها ناظري
دعتني أمد يد الخاسر
واستمنح الرفق من آسري
ولولا البساطة لم أرتهن
علي الهوى سد باب الرجاء
ومثل لي الداء نفس الدواء
فمن أين أحظى إذن بالشفاء
وما أسرع السير نحو الفناء
إذا أنا ضيعت نهج السنن
تمر الليالي على وحدتي
ولم أحظ بالقرب من جيرتي
فإن أعدم البرء من علتي
فيا حافر القبر للميت
رويدك حتى نعد الكفن
عبد الحسين بن يوسف الأزري.
شاعر صحفي عراقي، من أهل بغداد.ولد سنة 1880 م/ 1298هـ , أنشأ جريدة (المصباح) سنة 1911 - 1914 ونفي إلى الأناضول
في الحرب العامة الأولى. ثم ...