الديوان » مصر » أحمد الزين » خطب رمى ركن العزاء فصدعا

عدد الابيات : 52

طباعة

خَطبٌ رَمى رُكنَ العَزاءِ فَصَدَّعا

وَأَصابَ مِن حَبل الرَجاءِ المَقطَعا

أَهدى إِلى القَلبِ التَلَهُّفَ وَالجَوى

وَإِلى الجُفونِ سُهادَها وَالأَدمُعا

عَمَّ الأَسى فَالناسُ فيهِ مُفَجَّعٌ

شاكٍ يُساجِلُ في الشكاةِ مُفَجَّعا

كَيفَ العَزاءُ وَلَستُ أُبصرُ بَهجَةً

في الدَهرِ إِلا وَدَّعت مُذ وَدَّعا

وَبَشاشَةُ الدُنيا حَوَتها حُفرَةٌ

في الأَرضِ قَد خُطَّت لِصَبري مَضجَعا

دَفَنُوا شَمائِلَ كَالسُلافَةِ رقَّةً

وَالماءِ رِيّاً وَالرِياضِ تَضَوُّعا

شِيَمٌ هِيَ الإِيناسُ يَجلو وَحشَةً

أَو نِعمَةُ الدُنيا تُصادِفُ مُدقِعا

خُلُقٌ هُوَ الجَنّاتُ لَو يُجزى بِهِ

ذُو طاعَةٍ لَم تُلفِ إِلا طَيِّعا

عَفُّ اللِسانِ عَن الجَليسِ إِذا نَأى

يُرضيكَ حاضِرُهُ وَغائِبُهُ مَعا

وَإِذا تَوَسَّطَ في النَديِّ رَأَيتَهُ

يُرضي الشَمائِلَ سامِعاً أَو مُسمِعا

يَسبي قُلوبَ الزائِرينَ بِبشرِهِ

أَكرِم بِهِ مُستَقبِلاً وَمُشَيِّعا

هَشٌّ لِزائِره أَأَكثَر أَم وَنى

لَم يَلقَه سَئِماً وَلا مُتَمَنِّعا

فَكِهُ الحَديثِ حَكيمُهُ لا مُضجِرٌ

مِنهُ الغَويَّ وَلا التَقِيَّ الأَورَعا

لَم يَعتَذِر بِمزاحِهِ عَن زَلَّة

يَوماً وَلا نَطَق السَفاهَ وَلا وَعى

ثَبتُ الوِدادِ نَأَى المَعاشرُ أَو دَنا

راعٍ لَهُ نَسيَ المَودَّةَ أَو رَعى

لَم تُوهِ مِن أَخلاقِهِ أَسقامُه

وَلَو انَّها في شامِخٍ لتَصدَّعا

يَلقاكَ مُبتَسِماً عَلى عِلّاتِهِ

لا شاكياً أَلَماً وَلا مُتَضَرِّعا

وَإِذا تَغَيَّرتِ اللَيالي غَيَّرت

مَن كانَت الأَخلاقُ فيهِ تَطَبُّعا

يَهفُو إِلى قُربِ الصَديق كَما هَفا

ناءٍ تَذكّر في نَواهُ الأَربُعا

يُصغي إِذا ذُكِرَ الصِّحابُ كَأَنَّما

ذُكِرَ الشَبابُ لَهُ فَحنَّ وَرَجَّعا

خُلُقٌ طَواهُ المَوتُ عَنّا غدوَةً

فَطَوى عَلى الحَسراتِ مِنّا أَضلُعا

أَمُجمِّعَ الأَخلاقِ رُزؤُك لَم يَدَع

حُزناً مِن الأَحزانِ إِلا جَمَّعا

قالوا الربيع فَداوِ همَّك وَاِبتَدِر

أَيّامَه مِن قَبل أَن تَتَقَشَّعا

وَاِهنأ بِهِ عَيشاً وَطِب نَفساً وَرِد

مِنهُ صَفاءَ اللَهوِ وَانعَم مَرتَعا

مَهلاً فَروضُ الشعرِ صَوَّحَ نَبتُه

وَمَرابِعُ الآدابِ أَمسَت بَلقَعا

فَأَرى المَلاهي مَأتَماً وَأَرى السُرو

رَ تَأَلماً وَالماءَ يَجري مَدمَعا

بَكرَ النَعِيُّ بِأَن قَضَيتَ فَلَم يَدَع

أَمَلاً مِن الآمالِ إِلّا ضَيَّعا

يَا أَيُّها الناعي رُوَيدَك إِنَّهُ

رُكنُ القَرِيضِ هَوى وَطودٌ زُعزِعا

يا هاجِعاً مِلءَ الجُفونِ وَقَد حَمى

عَينَ القَوافي بَعدَه أَن تَهجَعا

مَن ذا يُصرِّعُها وَيُحكِمُ نَسجَها

هَيهاتَ لاقى الشعرُ بَعدَكَ مَصرَعا

أَم مَن يَرُوض عَصِيَّها وَلَقَد ثَوى

في التُربِ مَن راضَ العَصِيَّ وَأَخضَعا

أَيَغِيضُ طَبعُكَ في التُرابِ وَطالَما

رَوّى الجَديبَ فَعادَ خِصباً مُمرِعا

فَلَو انَّ شِعرَكَ كانَ سَجعاً لِلقَطا

كادَ الأَراكُ مَع القَطا أَن يَسجَعا

وَلَو اَنَّ مَعمودَ الفُؤادِ بَكى بِه

طَللاً لرقَّ لَهُ أَسىً وَتَوجُّعا

وَلَو انَّ مُبتَئِساً بِصَرفِ زَمانِه

عَتَب الزَمانَ بِهِ لَتابَ وَأَقلَعا

شعرٌ لَو انَّ الدَهرَ أَقفر حُسنُه

نُشِرَت صَحائِفُه فَكانَت مَربَعا

مَلَكَ النُفوسَ بِسِحرِهِ فَتَخالُهُ

نَغَماً عَلى نَبضِ القُلوبِ مُوقَّعا

هُوَ سَلوةُ العاني وَنِعمَةُ بائِسٍ

وَبَشيرُ مُغتَرِب يُحاوِلُ مَرجِعا

الطَّبعُ وَالأَخلاقُ يَنبوعٌ لَهُ

وَالشعرُ يَصفُو حينَ يَصفُو مَنبَعا

طبُّ النُفوسِ يُعيدُ في مَيتِ المُنى

رُوحاً وَيَبعَثُ في القُنوطِ المَطمعا

مُتَلَمِّسٌ من كلِّ نَفسٍ سِرَّها

ومُلامِسٌ من كلِّ قَلبٍ مَوضِعا

جاوَزت فيهِ مُنى النُفوسِ وَصُنتَه

عَن زَهوِ مُفتَتِنٍ تَغالى وَاِدَّعى

لَم تَفتَتِن يَوماً وَشِعرُكَ فِتنَةٌ

يا مُبدِعاً لَم يَزهُهُ ما أَبدَعا

شِعرٌ إِذا يُتلى تَكادُ لِحُسنِه

تَثِبُ القُلوبُ مِن الصُدُورِ تَطَلُّعا

فَكَأَنَّها في كُلِّ بَيتٍ تَبتَغي

نَبَأً عَنِ الأَحبابِ فيهِ أودِعا

لَهفَ القَوافي يَومَ بانَ فَإِنَّها

فَقَدَت بِإِسماعيلَ رُكناً أَمنَعا

فَقَدت صِباً لِمَشيبها وَعَشِيرَةً

لِغَريبِها وَالأَمنَ مِمّا رَوَّعا

عِش ما تَشاءُ بِما تُخلِّدُ مِن عُلاً

في الدَهرِ لَيسَ المَرءُ إِلّا ما سَعى

فَلَربَّ ذِي صَمتٍ أَصَمَّ بِقَبرِهِ

جَعَل الزَمانَ لِسانَهُ وَالمَسمَعا

وَمُشَيَّعٍ في الذاهِبينَ وَفَضلُهُ

مَلأَ العُصورَ فَما نَعاهُ مَن نَعى

يَبلى وَلا يَبلى بِقَلبٍ ذِكرُهُ

فَكَأَنَّهُ في كُلِّ يَومٍ شُيِّعا

وَجُسومُ هَذا الناسِ أَنفاسُ الثَرى

لا بُدَّ يَوماً لِلثَرى أَن تَرجِعا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أحمد الزين

avatar

أحمد الزين

مصر

poet-Ahmad-Al-Zein@

83

قصيدة

4

الاقتباسات

7

متابعين

أحمد الزين: شاعر ومحقق مصري كفيف البصر، وُلد عام 1900م في مصر، وفقد بصره في صغره. التحق بالأزهر وتلقى تعليمه هناك، ثم عمل محاميًا شرعيًا بعد تخرجه. انتقل بعد ذلك ...

المزيد عن أحمد الزين

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة