الديوان » مصر » أحمد الزين » بكاك الفضل والأدب اللباب

عدد الابيات : 55

طباعة

بَكاكَ الفَضلُ وَالأَدَبُ اللُبابُ

وَعَمَّ المَشرِقين بِكَ المُصابُ

وَأَخلصَ في بُكائِكَ كُلُّ جَفنٍ

يمدُّ شَؤونَه قَلبٌ مُذابُ

وَطارَ البَرقُ يَحمِلُ رُزءَ مِصرٍ

كَأَنَّ البَرقَ في البَلوى غُرابُ

يَكادُ السِلكُ حِينَ نَعاكَ فينا

يُحَسُّ لَهُ مِن الأَلَم اِنتِحابُ

بُروقٌ إِن جَرَت شَرّاً فَصِدقٌ

وَإِن خَيراً فَآمالٌ كذابُ

نَصيبُ الشَرقِ مِنها كُلُّ رُزءٍ

يَطُولُ بِهِ عَلى الزَمَنِ العَذابُ

فَلَم نَصبِر لِخَطبٍ جَلَّ إِلا

أَتى خَطبٌ تُدَكُّ لَهُ الهِضابُ

مُصابٌ لَم يَدَع لِلشَيبِ حَزماً

وَلا عَزماً يَلوُذُ بِهِ الشَبابُ

تَسيلُ النَفسُ فيهِ لا المَآقي

وَتَنشَقُّ المَرائِرُ لا الثِيابُ

تَساءَلتِ العَواصِمُ ما دَهاها

عَشِيَّةَ سارَ بِالنَبأ الركابُ

وَعَزّى بَعضُها في الرُزءِ بَعضا

فَمَأتَمه المَمالِكُ لا الرحابُ

وَأَقبَلتِ الرَسائلُ عَنه تَتَرى

فَأَعيانا بِمَصرَعِهِ الجَوابُ

وَحَفَّ بِنَعشِهِ مِنهُم قُلوبٌ

وَإِن بَعُدَ المَزارُ بِهم فَغابُوا

فَكَم آسى جِراحَهمُ بِسِحرٍ

مَعانيهِ هِيَ الطِبُّ العُجابُ

وَقَد يُغنى المَريضَ حَنانُ آسٍ

وَتَشفى داءهُ الكَلمُ العِذابُ

تَبَيَّنَ داءهُم فَسَرى إِلَيهِ

كَما يَسري إِلى الظَمإِ الشَّرابُ

وعاشَ بِفِكرِهِ في كُلِّ أَرضٍ

فَلَيسَ لِفكرِهِ عَنها اِغتِرابُ

فَكانَ الشَرقُ مَوطِنه جَميعاً

وَكانَ لِمصرَ ما ضمِنَ الإِهابُ

حُسامٌ لَم يُثَلِّمهُ قِراعٌ

وَلَكن ضَمَّ صَفحتَه القِرابُ

وَلَيثٌ لَم يُحَطِّمهُ جِهادٌ

وَلَم يَخذُله في الهَيجاء نابُ

وَلَكن عاقَهُ قَدَرٌ مُتاحٌ

وَقَصَّرَ خَطوَهُ داعٍ مُجابُ

فَقصّرَ وَالبَراثِنُ مُشرَعاتٌ

كَأَنَّ القَبرَ حينَ حَواهُ غابُ

جِهادٌ لَم يَدَعهُ ثلثَ قَرنٍ

وَلِلآلامِ في الجسمِ اِنتِيابُ

تُغالطُ في الضَنى جِسماً سَقيماً

وَلِلقرطاسِ في يَدكَ اِضطِرابُ

يُواثِبُكَ السَقامُ فَلا تُبالي

وَلا يُلوي بِهِمَّتِكَ الوثابُ

وَينشُدكَ الطَبيبُ وَأَنتَ ماضٍ

لما تَبغي وَيَنصَحُكَ الصِحابُ

ظَلِلتَ تُجالدُ الأَوصابَ حَتّى

شَكا مِن عَزمِكَ الجسمُ المُصابُ

تَعَقَّدتِ المَشاكِلُ وَاكفَهَرَّت

وُجُوهُ الرَأيِ وَاِربدَّ السَحابُ

وَعادَ الأَمرُ مُلتَويَ النَواحي

لِمُبصِرِهِ كَما التَوتِ الشِعابُ

فَبَينا مِصرُ لِلأَهرام تُصغي

وَلِلشَعبِ اِنتِظارٌ وَاِرتِقابُ

إِذ الأَهرامُ تَبدُو في حِدادٍ

يُجلِّلُها سَوادٌ وَاِكتِئابُ

جَرَت أَنهارُها دَمعاً وَكانَت

مَوارِدَ بِالبَيانِ لَها اِنسِكابُ

لَقَد كُنتَ اليَقينَ لِكُلِّ شَكٍّ

فَمن لِلباحِثينَ إِذا اِستَرابوا

وَكُنتَ لَهُم إِذا ضَلُّوا صَواباً

فَأَعوَزَهُم لِغَيبتكَ الصَوابُ

وَكُنتَ كِتابَ نَهضَتِهم فَلَمّا

طَوَتكَ يَدُ الرَدى طوي الكِتابُ

صَحائفُ لِلقَضيَّةِ حافِظاتٌ

لِكُلِّ دَقيقَةٍ فيهنَّ بابُ

فُصُولٌ بِالعِظاتِ مُفَصَّلاتٌ

ضَوافٍ لَم يَشُبهنَّ اِقتِضابُ

تُطالِعُنا بِها في كُلِّ شَمس

سِماءٌ ما لِكَوكَبِها اِحتِجابُ

يُساجِل طَيرَها في كُلِّ صُبحٍ

غِناءٌ مِن يَراعِكَ مُستَطابُ

وَما مِن كاتِبٍ في الشَرقِ إِلا

إِلى ذاكَ اليَراعِ لَهُ اِنتِسابُ

فَكَم في مَهدِهِ زُعَماءُ شَبُّوا

وَفي أَفيائِهِ زُعَماءُ شابُوا

وَكَم في ضَوئِهِ سارَت شُعوبٌ

فَما ذُمَّ المَسيرُ وَلا الإِيابُ

تَقُودهُم قِيادَةَ أَلمعِيٍّ

يَرى في الأُفقِ ما خَبَأَ الضَبابُ

تُؤاتيهم إِذا حَسُن التَأَتّي

وَتَحفِزُهم إِذا جَدَّ الطِّلابُ

سجلٌّ لَم يَفُتهُ عَن زَعيمٍ

ثَباتٌ في الكِفاحِ وَلا اِنقِلابُ

وَلا مَن كانَ يَقصِدُ وَجه مِصرٍ

وَلا مَن هَمُّهُ جاهٌ يُهابُ

بِهِ مِن عِبرَةِ الماضي كُنوزٌ

وَمِن تاريخِ ساسَتِنا عُبابُ

لَدَيهِ لِكُلِّ مُشكِلَةٍ قِياسٌ

وَفيهِ لِكُلِّ داجِيَةٍ شهابُ

تَجارِبُ تَجمَعُ الأَجيالَ فينا

فَلَيسَ بِها عَلى آتٍ حِجابُ

مَلأتَ مَسامِعَ الأَيامِ ذِكراً

فَأَلسِنةُ الزَمانِ بِهِ رِطابُ

وَغَيرُكَ تُقفِرُ الأَوقاتُ مِنهُ

خَرابٌ ضَمَّ جُثتَهُ الخَرابُ

نَسيرُ إِلى التُرابِ بِعَبقَريٍّ

فَيا لِلَّهِ ما ضَمَّ التُرابُ

وَقَلبٍ صِيغَ إِخلاصاً وَوُدّا

وَجلُّ الناسِ وُدُّهُم خِضابُ

وَنفسٍ في الحُطامِ تَفيضُ زُهداً

إِذا اِقتَتَلَت عَلى العَرضِ الذِئابُ

وَمَن يَبغِ الخُلودَ سَما بِنَفسٍ

عَلى الدُنيا وَغايتُها الذَهابُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أحمد الزين

avatar

أحمد الزين

مصر

poet-Ahmad-Al-Zein@

83

قصيدة

4

الاقتباسات

7

متابعين

أحمد الزين: شاعر ومحقق مصري كفيف البصر، وُلد عام 1900م في مصر، وفقد بصره في صغره. التحق بالأزهر وتلقى تعليمه هناك، ثم عمل محاميًا شرعيًا بعد تخرجه. انتقل بعد ذلك ...

المزيد عن أحمد الزين

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة