الديوان » العصر العثماني » حسن حسني الطويراني » رأيتها فعلا غي الهوى رشدي

رأَيتها فعلا غيُّ الهَوى رَشَدي
وَقَد أَتى أمدٌ فيه عَلى لبدِ
هيفاء تستلب الألباب بالغَيَدِ
نالت على يدها ما لم تَنله يَدي
نَقشاً عَلى معصم أَوهت به جلدي
في حسنها فتنة بين الأنام لها
ئم في هَواها لذذت وَلَها
أَومَت بكف لها بالوشمِ أَيُّ بها
كَأَنّهُ طرقُ نملٍ في أَناملها
أَو روضةٌ رصّعتها السحبُ بالبَردِ
يا حبذا غادةٌ تسبي ببهجتِها
أَو ظيبةٌ تسلبُ الدُنيا بلفتتها
لما رمت إذ رنت قلبي بلحظتها
خافت على يدها من نَبلِ مقلتها
فألبست زندها درعاً من الزَرَدِ
كأَنها البدرُ حلّت مهجتي فلكا
فكلُّ مَن رام أَن يحظى بها هلكا
لما رأَت بحرَ دَمعي حيث شا سلكا
مدّت مواشطَها في كفِّها شَرَكا
تصيد قلبي به من داخل الجسدِ
من لي بسالبةٍ لبّي ونائيةٍ
باللحظ قاتلةٍ بالغمز راميةٍ
جلّت بآية تيهٍ غير خافيةٍ
وقوسُ حاجبها من كلِّ ناحيةٍ
ونَبل مقلتها ترمي به كبدي
أَعانها ظالمٌ تُخشَى إعانتُهُ
وهو الهَوى تملأ الدُنيا مكانتُهُ
فعامل القدِّ قد قامَت رشاقتُهُ
وعقرب الصدغ قد باتت زبانتُهُ
وناعس الطرف يقظانٌ على الرصدِ
تركيةُ التيه أَنأى من مَها العربِ
محجوبةُ الحسن بين الستر والحجبِ
ناديت في حبها يا حلبة الأدبِ
إن كان في جلنّار الخد من عجبِ
فالصدر يطرح رماناً لمن يَرِدِ
وتلك تعتز عن شبهٍ وعن مثلِ
وتنجز الفتكَ بالتفتيرِ والكَحَلِ
فقدها عادلٌ يزري بذي الأسل
وخصرُها ناحلٌ مثني عَلى كَفَلِ
مرجرجٌ قد حكى الأحزانَ في الخَلَدِ
كم من عيون عليها بالدما همعَتْ
وكم قُلوب تفانت بعدما طمعت
وتلك من صبها بالذل قد قنعت
إنسيةٌ لو رأتها الشمسُ ما طلعت
من بعد رؤيتها يوماً عَلى أحدِ
لما التقينا وَقد رَقّ الزَمانُ لَنا
وعاد صَرفُ الليالي الغرِّ يجمعُنا
وزال ما كُنت أَخشى من جَفاً وَعَنى
ناشدتُها الوصل قالت أَنتَ تعرفنا
من رام منّا وصالاً مات بالكمدِ
نحن اللواتي قضينا أَن نذيقَ هَوى
قلب المُحبِّ ولا نبدي لذاك دوا
فَكَم لدينا صريعٌ بالغرام ثَوى
وَكَم لنا عاشقٌ في الحَيّ مات جوى
مِنَ الغرام ولم يبدي ولم يُعِدِ
وَكَم فتكنا بسيف الغنج والكحَلِ
وكم طعنا بقدٍّ صاحبَ الأسلِ
عُد عن هَوانا وحاذر غرةَ الأملِ
فقلتُ أستغفرُ الرحمنَ من ذللِ
إن المحب قتيلُ الصبر والجلدِ
وقمتُ أَشكو غَرامي وهي مائلةٌ
كالغصن غَنى وَعين النهر سائلةٌ
فاستعظمت من جوابي وهي سائلةٌ
وخلفتني طريحاً وهي قائلةٌ
ما تنظرون فعال الظبيِ بالأسدِ
وبتُّ سهدي وشوقي قد غدا عوضا
عن الكرى وجفوني تهجر الغمضا
حتى إذا صيرتني للنوى غرضا
قالت لطيف خيال زارني ومضى
بالله صِفهُ ولم تَنقُص ولم تَزِدِ
فجاءها عَن صميم القلب بالنبأِ
عن ذُلِّ حاليَ لا عَن ملك ذي سبأِ
وقصَّها يا له من سامع ورَئِي
فقال خلفته لو مات من ظمأِ
وقلت قف عن ورود الماء لم يَرِدِ
تفنى الليالي ولا تفنى محبتُهُ
حراءُ مهجتُهُ عبراءُ مقلتُهُ
ذكراك أيامه فكراك ليلتُهُ
قالت صدقت الوفا في الحُب سيمتُهُ
يا برد ذاكَ الَّذي قالت عَلى كبدي
وزدت سقماً وجسمي بالفراق وهى
لما تمادَت عَلى صدي وحاليَ ها
حتى رَثت لمصابي من تدللها
واسترجعت سألت عني فقيل لها
ما فيه من رمق دقت يداً بيدِ
وروّعتها النوى حتى إذا فَرَقَت
من حال محزونها في لوعةٍ سُحقت
وأدركت أنها بالصبِّ ما رفقت
وأمطرت لؤلؤاً من نرجسٍ وسقت
ورداً وعضّت عَلى العنّاب بالبَرَدِ
وأصبحت بعد قتل الصب نادمةً
تقول من ليَ أن أبكيك نعم فتىً
فقال حالي رعاك الله قاتلةً
وأَنشدت بلسان الحال قائلةً
من غير مطلٍ ولا كرهٍ ولا مددِ
لئن بخلت بوصلي فالجفين سخي
يبكي عليه بدمع فاض منتضخِ
وليس عهدي بحبي غير منتسخِ
واللَه ما حزنت أختٌ لفقد أخِ
حزني عليه ولا أمٌّ على ولدِ
فلو علمت بأني غاية الأملِ
لكان وصلي لديهُ السؤلُ من قبلي
وأقبلت تشتكي وجداً عَلى وجلِ
وأسرعت وأتت نحوي عَلى عجلِ
فعند رؤيتها لم أستطع جلدي
حيّت وأحيت فؤادي من مراشفها
وروّحت روحَ مغرىً في لطائفها
فزينت تالد الأهوا بطارفها
وأغمرتني بفضلٍ من عواطفها
فعادت الروح بعد الموت للجسدِ
وعاد عصر التجافي وصلةً وصفا
وعاد عصرُ التهاني باللقا وصفا
ما للعواذل حسبي ربنا وكفى
هم يحسدوني عَلى موتي فوا أسفا
حتى على الموتِ لا أخلو من الحسدِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن حسن حسني الطويراني

avatar

حسن حسني الطويراني

العصر العثماني

poet-Hasan-Husni-al-Tuwayrani@

1483

قصيدة

11

الاقتباسات

43

متابعين

حسن حسني باشا بن حسين عارف الطويراني ولد سنة 1850م. شاعر وصحفي تركي المولد عربي النشأة. ولد ونشأ بالقاهرة. وجال في بلاد إفريقية وآسية والروم. وأقام بالقسطنطينية إلى أن توفي ...

المزيد عن حسن حسني الطويراني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة