الديوان » العصر الأندلسي » الأبيوردي » بَدَتْ عَقِداتُ الرّمْلِ والجَرَعُ العُفْرُ

عدد الابيات : 101

طباعة

بَدَتْ عَقِداتُ الرّمْلِ والجَرَعُ العُفْرُ

فَمِسْنا كما يَعْتَنُّ في المَرَحِ المُهْرُ

ودُسْنا بأخْفافِ المَطيِّ بِها ثَرًى

يَنُمُّ على مَسْرى الغَواني بهِ العِطْرُ

كأنَّ دِيارَ الحَيِّ في جَنَباتها

صَحائِفُ والرَّكْبَ الوُقوفَ بِها سَطْرُ

تَزيدُ على الإقْواءِ حُسْناً كأنّهُمْ

حُلولٌ بِها والدّارُ مِنْ أهلِها قَفْرُ

مَحا آيَها صَرْفُ اللّيالي وقَلَّما

يُرَجَّى لِما تَطْويهِ أيدي البِلى نَشْرُ

بِما قَدْ ترى مُخْضَرَّةً عَرصاتُها

يُجيب صَهيلَ الأعْوَجِيِّ بِها الهَدْرُ

ويأْوي إلَيها مِنْ لُؤَيِّ بنِ غالِبٍ

إذا شَبَّتِ الهَيْجاءُ ذو لَجَبٍ مَجْرُ

وكُلُّ فتًى يَرْدي بهِ الطِّرْفُ في الوَغى

مُشيحاً كَما أوفى على المَرْقَبِ الصَّقْرُ

وأرْوَعُ وافي اللُّبِّ والسِّلْمِ جامعٌ

وفي الحَرْبِ إن حكَّتْ بهِ بَرْكَها غَمْرُ

وكَمْ في هَوادي سِرْبِهِم مِنْ مُهَفْهَفٍ

إذا خَطَرَ استَعْدى على الكَفَلِ الخَصْرُ

يَميسُ اهْتِزازَ الخُوطِ غازَلَهُ الصَّبا

ويَنْظُرُ عنْ نَجلاءَ أضْعَفَها الفَتْرُ

ومِنْ رَشأٍ يَثْني عليَّ وِشاحَهُ

بِما حدَّثَتْهُ عنهُ مِنْ عِفَّتي أُزْرُ

لهُ ريقَةٌ ما ذُقْتُها غيرَ أنَّنِي

أظُنُّ وظنِّي صادِقٌ أنَّها خَمْرُ

ووَجْهٌ يَرُدُّ اللّيلَ صُبْحاً بهِ السَّنا

وفَرعٌ يُريكَ الصُّبْحَ لَيْلاً بهِ الشَّعْرُ

وجِيدٌ كما يَعْطُو إِلى البَانِ شادِنٌ

تُفيءُ علَيه الظِّلَّ أفْنانُهُ الخُضْرُ

وعَينٌ كما تَرْنو المَهاةُ إِلى طَلاً

إذا غابَ عَنها اغْتالَ خَطْوَتَهُ الذُّعْرُ

أقولُ لهُ والليلُ واهٍ عُقودُهُ

كأنَّ تَوالي شُهْبِهِ اللُّؤلُؤُ النَّثْرُ

أتَهْجُرُ مَن غادَرْتَ بينَ ضُلوعِهِ

جَوًى يتلظّى مثلَما يَقِدُ الجَمْرُ

وتُلْزِمُهُ أنْ يَكتُمَ السِّرَّ بَعدَما

أُطِيعَ له الواشي فسِرُّ الهَوى جَهْرُ

وتَزْعُمُ أن الهَجرَ لا يُعْقِبُ الرَّدى

وهَل حادِثٌ يخْشى إذا أُمِنَ الهَجْرُ

وَقَفْنا بِمُسْتَنِّ الوَداعِ وراعَنا

بِحُزْوى غُرابُ البَيْنِ لا ضَمَّهُ وكْرُ

وألَّفَ ما بينَ التَّبَسُّمِ والبُكا

سُلُوٌّ ووَجْدٌ عِيلَ بَينُهُما الصَّبْرُ

فواللهِ ما أدري أثَغْرُكِ أدْمُعي

غَداةَ تَفَرَّقْنا أمِ الأدْمُعُ الثَّغْرُ

تبَرَّمَتِ الأجفانُ بَعدَكِ بِالكَرى

فَلا تَلتَقي أو نَلْتقي ولها العُذْرُ

تَغيبُ فلا يَحلى بِعَيني مَنظَرٌ

ويَكثُرُ منّي نحوَهُ النّظَرُ الشَّزْرُ

ويلفِظُ سَمْعي مَنطِقاً لمْ تَفُهْ بهِ

على أنّهُ كالسِّحْرِ لا بل هو السّحْرُ

فَفيهِ وما كُلُّ الكَلامِ بِمُشْتَهى

سوى مَدْحِ فَخْرِ الدّينِ عن مِثْلِهِ وَقْرُ

خَطا فوقَ أعناق الأعادي إِلى عُلاً

لَها بَينَ أطرافِ القَنا مَسْلَكٌ وعْرُ

بِماضي الشَّبا رَطْبِ الغِرارَيْنِ لمْ يَزَلْ

يُراعُ بهِ صِيْدُ الكُماةِ أوِ الجُزْرُ

ومُرتَعِدِ الأُنْبوبِ يُرْوي سِنانَهُ

دَمٌ مائِرٌ والدُّهْمُ مِن نَضْحِهِ شُقُ

لهُ طَعَناتٌ إنْ سُبِرْنَ تَخاوَصَتْ

إِلى مَن يُداويهِنَّ أعْيُنُها الخُزْرُ

إذا ما دَعا لَبّاهُ كُلُّ سَمَيْدَعٍ

تُعَلُّ بِكَفَّيهِ الرُّدَيْنيَّةُ السُّمْرُ

يَظلُّ وفي ظَهْرِ الحِصانِ مَقيلُهُ

ويُمْسي وبَطْنُ المَضْرَحِيِّ لهُ قَبْرُ

مِنَ المَزيَديّينَ الذينَ نَداهُمُ

لِمُسْتَمطِريهِ لا بَكِيٌّ ولا نَزْرُ

أكُفٌّ سِباطٌ تُمْتَرى نَفَحاتُها

إذا لمْ يكُنْ في دَرِّ جاذِبةٍ غَزْرُ

وخَيْرٌ مِن المالِ الثَّناءُ لِماجِدٍ

يُراقِبُ أعقابَ الأحاديثِ والذِّكرُ

ولِلجارِ فيهمْ ذِمَّةٌ لَم يُهِبْ بها

وقَد أطْفأَ المُثْرونَ نارَ القِرى غَدْرُ

يَحِلُّ يَفاعاً يَخْزَرُ النَّجْمُ دونَهُ

ويَعْتَنِقُ الجَوْزاءَ في ظِلِّهِ الغَفْرُ

أذَلُّوا بِسَيفِ الدّولةِ ابنِ بَهائِها

رِقاباً فأرْخَى مِن عَلابِيِّها القَسْرُ

أغَرُّ إذا ما النِّكْسُ أرْتَجَ بابَهُ

فما دونَ ناديهِ حِجابٌ ولا سِتْرُ

وإن شامَ مَنْ ألوى بهِ المحْلُ بَرْقَهُ

تَيَقَّنَ أنَّ العُسْرَ يتْبَعَهُ اليُسْرُ

تُبيدُ يَداهُ ما يُفيدُ بِبَأسِهِ

فلَيسَ سِوى الذِّكْرِ الجَميلِ لهُ ذُخْرُ

عَليه رِداءٌ لمْ يَشِنْ صَنِفاتِهِ

أثامٌ ولَمْ يَعْلَقْ بأذْيالِهِ وِزْرُ

إذا القُبَّةُ الوَقصاءُ مالَ عَمودُها

وقصَّرَ مِن أطْنابِها نُوَبٌ تَعْرو

ولَمْ يَسْرِ مَرقوعُ الأظَلِّ على الوَجى

رَذِيّ مَطايا حَطَّ أكْوارَها السَّفْرُ

رَجا البَدْوُ مِنهُ ما يُرَجَّى مِنَ الحَيا

وأمَّلَهُ تأميلَ وابِلِهِ الحَضْرُ

لهُ نِعَمٌ تَنْمي على الشُّكْرِ في الوَرى

وإنْ جَحدَوها لمْ يَحُلْ دونَها الكُفْرُ

هو العُرْفُ إنْ يُشْكَرْ يُضاعَفْ وإنْ يُثَبْ

يُتابَعْ وإنْ يُكفَرْ ففي بَذْلِهِ الأجْرُ

وحَرْبٍ عَوانٍ لمْ يَخُضْ غَمَراتِها

سِوى أسَدِيٍّ هَمُّهُ الفَتْكَةُ البِكْرُ

إذا ورَدَتْها البِيضُ يَلْهَثْنَ مِنْ صدًى

رَجَعْنَ رِواءً وهْيَ قانِيَةٌ حُمْرُ

يَئِنُّ لها الأبطالُ مِنْ حَذَرِ الرَّدى

أنينَ هَوامي العِيسِ أضْجَرَها العِشْرُ

ويَزْأَرُ في حافاتِها كُلُّ ضَيْغَمٍ

إذا كَلَّ فيها نابُهُ خَدَشَ الظُّفْرُ

سَما نَحوها في غِلْمَةٍ ناشِرِيَّةٍ

لهَمْ في صَهيلِ الخَيلِ أو نَقْعِها نُذْرُ

يَفوتونَ بالأوْتارِ مَنْ عَلِقوا بِهِ

وتَأبى العَوالي أنْ يَفوتَهُمُ وِتْرُ

إذا صِيحَ بالشَّعْواءِ في الحَيِّ أُسْرِجَتْ

نَزائِعُ مَعْصوبٌ بأعْرافها النَّصْرُ

يَنُمُّ على أعراقِها مِنْ رُوائِها

تَباشِيرُ عِتْقٍ قَبلَ أن يُخْبَرَ الحُضْرُ

فما راعَهُمْ جَرْسُ الخَلاخيلِ والبُرى

ولا زالَ رُعْباً عنْ مَعاقِدِها الخُمْرُ

بَني أسَدٍ أنتُمْ مَعاقِلُ خِنْدِفٍ

إذا ما شَحا فاهٌ لَها حادِثٌ نُكْرُ

ولا خَيْرَ إلا في نِزارٍ وخَيْرُها

إذا حُصِّلَ الأحْسابُ دُودَانُ والنَّضْرُ

وفَرْعُ بني دُودانَ سَعدُ بنُ مالِكٍ

وكَهْفُ بني سَعْدٍ سُواءَةُ أو نَصْرُ

وناشِرَةٌ أعلى سُواءَةَ مَحْتِداً

إذا قيل أينَ العِزُّ والعَدَدُ الدَّثْرُ

وأثْبَتُها في حَومَةِ الحَرْبِ مالِكٌ

وعَوفٌ وذو الرُّمْحَينِ جَدُّكُمُ عَمْرو

ومَنْ كَحُيَيٍّ أو كَجِلْدٍ ومَرْثَدٍ

ورَيّانَ والآفاقُ شاحِبةٌ غُبْرُ

وأرْحَبُهُمْ باعاً عَليٌّ ومَزْيَدٌ

إذا السّنَواتُ الشُّهْبُ قَلَّ بها القَطْرُ

ومَن كَدُبَيْسٍ حينَ تُفْتَرَشُ القَنا

إذا النَّقْعُ لَيلٌ والظُّبَى أنجُمٌ زُهرُ

وما زالَ مَنصورٌ يُنيفُ على الوَرى

بهِ الشَّرَفُ الوَضَّاحُ والحَسَبُ الغَمْرُ

فسِرْتَ على آثارِهِ مُتَمهِّلاً

ولمْ يَختَلِفْ في السَّعْي بَيْنَكُما النَّجْرُ

ومِنْ أيِّ عِطفَيْكَ التَفَتَّ تَعَطَّفَتْ

عَليكَ بِهِ الشَّمْسُ المُضيئَةُ والبَدْرُ

ومَجدٌ مُعَمٌّ في العَشيرةِ مُخْوَلٌ

أحَلَّ أبا المِظْفارِ ذِرْوَتَهُ كِسْرُ

خَلفْتَهمُ في المَكْرُماتِ وفي العُلا

كما تَخْلُفُ السُّمْرَ المُهَنَّدَةُ البُتْرُ

ولو لم يَكُنْ فيهمْ مُؤَثَّلُ سُؤدَدٍ

كَفَتْهُم مساعِيكَ المُحَجَّلةُ الغُرُّ

وكَم شَيّدَتْ أيّامُكُمْ مِن مَناقِبٍ

يُحَدِّثُ عَنها في مَجالِسِها فِهْرُ

نشأنَ وظِئْراها القَواضِبُ والقَنا

لَديْكُمْ وتِرْباها الكَواكِبُ والدَّهْرُ

وقائِعُ رَدّتْ في قُضاعةَ مَذْحِجاً

يَهَشُّ لِذِكْراها ذُؤالةُ والنَّسْرُ

وقَد شارَكَتْ غسّانَ فيهنَّ حِمْيَرٌ

وما سَلِمَتْ مِنهُنَّ قَيْسٌ ولا بَكْرُ

وهانَ على حَيَّيْ خُزَيمَةَ أن ثَوى

عُتَيْبَةُ أو ذاقَ الرَّدى صاغِراً حُجْرُ

فإنَّ سُيوفاً أغْمَدَتْها حلومُهُمْ

لَتَفْري طُلى يَلْوي أخادِعَها الكِبْرُ

وآثارُها مَشهورَةٌ وغُمودُها

إذا جُرِّدَتْ هامُ المُلوكِ ولا فَخْرُ

عُرِفْنَ بحَيْثُ الشّمْسُ تُلقِي جِرانَها

وفي حَيْثُ يَجلو عن مَباسِمِهِ الفَجْرُ

وفي أيِّ عَصْرِ الجاهِليّةِ لمْ يَسُدْ

لكُمْ سَرَواتِ العُرْبِ مَن أمرُهُ الأمْرُ

ولمّا أتى الإسلامُ قُمتُمْ بنَصْرهِ

فلَمْ يُفتَتَحْ إلا بأسيافِكُمْ مِصْرُ

وأنتُمْ إذا عُدَّتْ مَعَدٌّ بمَنْزِلٍ

يُجاوِرُ أحْناءَ الفُؤادِ بهِ الصَّدْرُ

ومُنتَعِلاتٍ بالنَّجيعِ زَجَرْتُها

وهُنَّ بقايا هَجْمَةٍ سَوْطُها الزَّجْرُ

عَدا نَسَلانَ الذِّئْبِ في أخْرَياتِها

أُشَيْعِثُ مَشدودٌ بأمثالِهِ الأُزْرُ

رَحيضُ حواشي البُرْدِ ما شانَهُ الخِنَى

خَفيضُ نَواحي النُّطْقِ ما شابَهُ الهُجْرُ

نَهوضٌ بأعباءِ الرّفيقِ وإنْ غَلا

على مُنحَنى الأضْلاعِ مِنْ صَحْبِهِ غِمْرُ

إذا ما سِراجُ اليَومِ أطْفأَهُ الدُّجى

مَشى كَنَزيفِ القَومِ رنَّحَهُ السُّكْرُ

يَجوبُ بِها والنّومُ حُلْوٌ مَذاقُهُ

أديمَ الفَلا وهْناً وإسْآدُها مُرُّ

لَواغِبُ يُحْذَيْنَ السَّريحَ مِنَ الحَفا

وأوساطُها يَشكُو بِها القلَقَ الضُّفْرُ

أُنِخْنَ وقَد دانى خُطاها كَلالُها

إليكَ فأدْنَتْها البَشاشةُ والبِشْرُ

وقَد شَمِلَتْ عَدْنانَ نِعْمَتُكَ التي

نَعَشْتَ بِها قَحْطانَ إذْ خانَها الوَفْرُ

أرى كُلَّ قَيْسِيٍّ يَنالُ بكَ الغِنى

فَما لخُزَيْمِيٍّ يُحالِفُهُ الفَقْرُ

ولَو لمْ أُجاوِرْ تَغْلِبَ بْنَةَ وائِلٍ

قَرعْتُ ظَنابيبَ النَّوى ويَدي صِفْرُ

وحَولي أناسٌ تُنْفَضُ الرَّاحُ مِنهُمُ

كثيرونَ إلا أن يُقَلِّلَهُمْ خُبْرُ

وقد ساءَني طُولُ الصُّدودِ فلمْ أبُحْ

بِذاكَ وأعناقُ العِدا دونَنا صُعْرُ

وعيَّرْتَني تأخيرَ مَدْحِكَ بُرهةً

ومِنْ أينَ يَستوفي مَناقِبَكَ الشِّعْرُ

وفضُلُكَ لا يستوعبُ الحَصْرُ وصْفَهُ

ومجْدُكَ يَكبو دونَ غاياتِهِ الفِكْرُ

ومِنْ شِيَمي أن أُبليَ العُذْرَ فاسْتَمِعْ

ثَناءً كما يُثْني على الوابِلِ الزَّهْرُ

فإنّكَ بَحْرٌ والقَوافي لآلئٌ

ولا غَرْوَ أن يُستَوْدَعَ اللُّؤلُؤَ البَحْرُ

وكُلُّ مَديحٍ فيكَ يخلُدُ ذِكرُهْ

فمجْدُكَ والمَدْحُ القِلادَةُ والنَّحْرُ

وخَيْرُ قَريضِ القوْمِ ما طالَ عُمْرُهُ

على عُقَبِ الأيامِ طالَ لكَ العُمْرُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأبيوردي

avatar

الأبيوردي حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alabywrdy@

390

قصيدة

159

متابعين

محمد بن أحمد بن محمد القرشي الأموي، أبو المظفر. شاعر عالي الطبقة، مؤرخ، عالم بالأدب. ولد في أبيورد (بخراسان) ومات مسموماً في أصبهان كهلا. من كتبه (تاريخ أبيورد) و (المختلف ...

المزيد عن الأبيوردي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة