الديوان » العصر المملوكي » ابن زمرك » أغرى سراة الحي بالإطراق

عدد الابيات : 57

طباعة

أغرى سراةَ الحيّ بالإطراقِ

نَبَأً أصمَّ مسامعَ الآفاقِ

أمسى به ليلُ الحوادث داجياً

والصبحُ أصبح كاسفَ الإشراقِ

فُجع الجميع بواحدٍ جمعت له

شتَّى العُلا ومكارم الأخلاقِ

هبوا لحكمِكُمُ الرصين فإِنّه

صرف القضاء فما له من واقِ

نقش الزمان بصرفه في صفحة

كلُّ اجتماع مؤذنٌ بفراقِ

ماذا ترجي من زمانك بعدما

عَلِقَ الفناءُ بأنفس الأعلاَقِ

من تحسدُ السّبعُ الطباقُ علاءهُ

عَالَوْا عليه من الثَّرى بطباقِ

إنّ المنايا للبرايا غاية

سبق الكرام لخصها بسباقِ

لمّا حسبنا أَنْ تُحَوَّلَ أَبْؤُساً

كشفت عوان حروبها عن ساقِ

ما كان إلا البدرَ طالَ سِرارُهُ

حتى رمتهُ يدُ الردى بمحَاقِ

أَنفَ المُقامَ مع الفناء نزاهةً

فنوى الرحيلَ إلى مَقام باقِ

عدِمَ الموافق في مرافقة الدنا

فنضى الركاب إلى الرفيق الباقي

أسفاً على ذاك الجلالِ تقلَّصَت

أفياؤه وعهدْنَ خيرَ رواقِ

يا آمري بالصبر عيلَ تَصَبُّري

دعْني فدَتْكَ لواعجُ الأشواقِ

وذَر اليراعَ تشي بدمع مدادِها

وشيَ القريض يروق في الأوراقِ

وا حسرتا للعلم أقفر ربعُه

والعدلُ جُرِّدَ أجمل الأطواقِ

ركدت رياح المعلوات لفقدها

كسَدَتْ به الآداب بعد نَفاقِ

كم من غوامضَ قد صَدّعْتَ بفهمها

خَفِيَتْ مداركُها على الحذّاقِ

كم قاعدٍ في البيد بعد قعوده

قعدت به الآمال دون لحاقِ

لمن الركائب بعد بعدك تُنتضى

ما بين شامٍ ترتمي وعراقِ

تفلي الفلا بمناسم مغلولة

تسم الحصى بنجيعها الرقراقِ

كانت إذا اشْتَكَتِ الوجى وتوقفت

يهفو نسيم ثنائك الخفاقِ

فإذا تنسمتِ الثناءَ أمامها

مدّت لها الأعناق في الإعناقِ

يا مُزْجيَ البُدن القلاص خوافقاً

رفقاً بها فالسعيُ في إخفاقِ

مات الذي ورث العلا عن معشر

ورثوا تراث المجد باستحقاقِ

رُفعت لهم راياتُ كل جلالة

فتميَّزوا في حلبة السُّبَّاقِ

عَلَمُ الهداة وقطب أعلام النهى

حَرَمُ العفاة المجتنى الأرزاقِ

رقّت سجاياه وراقت مجتلّى

كالشمس في بعد وفي إشراقِ

كالزَهر في لألائه والبدر في

عليائه والزُّهر في الإِبْراقِ

مهما مدحتُ سواهُ قَيَّدَ وصفَه

وصفاتهِ حمدٌ على الإطلاقِ

يا وارثاً نسب النبوة جامعاً

في العلم والأخلاق والأعراقِ

يا ابن الرسول وإنّها لوسيلة

يرقى بها أوجَ المصاعد راقي

ورد الكتاب بفضلكم وكمالكم

فكفى ثناء الواحد الخلاّقِ

مولاي إنّي في عُلاك مقصِّر

قد ضاق عن حصر النجوم نطاقي

ومن الذي يحصي مناقبَ مجدكم

عدُّ الحصى والرمل غير مُطاقِ

يهني قبوراً زرتها فلقد ثوتْ

منا مصونَ جوانحٍ وحِداقِ

خط الردى منها سطوراً نصها

لا بدّ أنك للفَناء مُلاقِ

ولحقت ترجمة الكتاب وصدرَه

وفوائد المكتوب في الإلحاقِ

كم من سَراةٍ في القبور كأنهم

في بطنها دُرٌّ ثوى بحقاقِ

قل للسحاب اسحب ذيولك نحوه

والعبْ بصارم برقك الخفَّاقِ

أودى الذي غيث العباد بكفه

يُزري بواكف غيثك الغيداقِ

إن كان صوتك بالمياه فدرُّها

دَرٌّ يُروْض ما حل الإملاقِ

بشرٌ كثير قد نُعوا لمَّا نُعِي

قاضيّ القضاة وغاب في الأطباقِ

ألبستهم ثوب الكرامة ضافياً

وأرحتَ من كدِّ ومن إرهاقِ

يتفيّأون ظلالَ جاهك كلما

لفحت سَموم الخطب بالإحراقِ

عدموا المرافق في فراقك وانطوى

عنهم بساط الرفق والإرفاقِ

رفعوا سريرك خافضين رؤوسَهم

ما منهُمُ إلا حليف سياقِ

لكنْ مصيرُك للنعيم مخلّداً

كان الذي أبقى على الأَرْماقِ

ومن العجائب أن يُرى بحرُ الندى

طودُ الهدى يسري على الأعناقِ

إن يحملوك على الكواهل طالما

قد كنت محمولاً على الأحداقِ

أو يرفعوك على العواتق طالما

رُفِّعْتَ ظهر منابر وعِتاقِ

ولئن رحلت إلى الجنان فإننا

نصلى بنار الوجد والأشواقِ

لو كنت تشهد حزنَ من خلّفته

لثنى عِنانك كثرة الإشفاقِ

إن جَنَّ ليل جُنَّ من فرط الأسى

وسوى كلامك ما له من راقِ

فابعث خيالك في الكرى يُبعثْ به

ميْتُ السّرور لثاكلٍ مشتاقِ

أغليتَ يا رُزْءُ التصبُّرَ مثلما

أَرْخصْتَ دُرَّ الدمعِ في الآماقِ

إن يخلُفِ الأرضَ الغمامُ فإِنّني

أَسقي الضريحَ بدمعيَ المُهَراقِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن زمرك

avatar

ابن زمرك حساب موثق

العصر المملوكي

poet-ibn-zamrak@

153

قصيدة

36

متابعين

محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الصريحي، أبو عبد الله، المعروف بابن زمرك. وزير من كبار الشعراء والكتاب في الأندلس. أصله من شرقيها، ومولده بروض البيازين (بغرناطة) تتلمذ للسان ...

المزيد عن ابن زمرك

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة