الديوان » العصر الأندلسي » الأرجاني » جوانح واجد وجفون سال

عدد الابيات : 98

طباعة

جَوانحُ واجدٍ وجُفونُ سالِ

ودَمْعُ الحُرِّ عند الخَطْبِ غالِ

نُبالي بالمصائبِ نازِلاتٍ

وتُبصِرُنا كأنّ لا نُبالي

تَدرَّعْنا التّجلُّدَ وانْتصَبْنا

لدَهْرٍ غيرِ مُنْقطِعِ النِّصال

أمامَ الحادثاتِ ولا نُولّي

وأَغراضَ النِّبالِ ولا نُبالي

وما كُنّا بأوّلِ مَن رمَتْه

على هذا مضَى الأُمَمُ الخَوالي

فلا تَجْعَلْ إذا نابَتْ خُطوبٌ

شِعارَكَ ما لِنائبةٍ ومالي

وخَلّ الدَّهْرَ يَحكُم في بَنيهِ

كما يَهوَى بإمْرتِه السِّجال

فلا تَحتَلْ لنازلةِ الرّزايا

فقد أَعيَتْ على كُلِّ احْتِيال

على أيِّ الجيادِ إذا عرَتْنا

نَفوتُ خُطا المَقاديرِ العِجال

ستَأْتينا المَنونُ بلا قِتالٍ

فلِمْ نَسْعَى إليها بالقِتال

يُبارِزُنا الزّمانُ بكُلِّ ضَرْبٍ

وتَدهَمُنا الخُطوبُ بكُلِّ حال

لأمرِ اللهِ خَلْفَ الخَلْقِ رَكْضٌ

كأنَّ المَرْءَ منه في عِقال

أَنُنكِرُ منه تَغْييرَ المَعاني

وهانَ عليه تَزْييلُ الجِبال

يُصبِّحُنا الزّمانُ بكُلِّ خَطْبٍ

ويَشْغَلُ بالحوادثِ كُلَّ بال

فيَوماً باللّقاء لِمَنْ نُعادي

ويَوماً بالفِراقِ لمَنْ نُوالي

وأيّةُ دُرّةٍ لنظامِ عَلْيا

ئها قد كان جِيدُ المَجْدِ حال

أهابَ بِرُوحِها داعي المنايا

فغاب بفَقْدها باقي الّلآلي

فكانَتْ في النّساء إذا اعتَبرْنا

كمَولانا أبيها في الرِّجال

يَمينُ مكارمٍ وَعُلاً ولكنْ

يَمينٌ لا تُقابَلُ بالشِّمال

نَعُدُّ لها أَماثِلَ من ذَويها

وإن كانتْ تُعَدُّ بلا مِثال

ونَشْهَدُ بالجميلِ لها صَنيعاً

وعِلْمُ اللهِ يَشْهَدُ بالجَمال

كَمالُ العَقْلِ في عُظْمِ الأيادي

وصِدْقُ القَوْلِ في َكرِم الفِعال

ففيمَ فجَعْتِ قومَك بالتَّنائي

وفيمَ جفَوْتِ كُفْؤَك بالزِّيال

فرَهْنٌ بالتّفرُّقِ كُلُّ شمْل

ونَصْبٌ للتّحوُّلِ كُلُّ حالِ

وكُلُّ أَخٍ مُفارِقُه أَخوهُ

كما قيلَ القَديمُ منَ المقال

وشَمْلُ الفَرقدَيْنِ كذاك أيْضاً

يَؤولُ إلى افْتراقٍ في المآل

وكُنّا قَبلَ رُؤْيتِها عِياناً

نَعُدُّ مَقالَ ذاكَ منَ المُحال

ففارقَ فَرقَدُ العَلْيا أَخاهُ

وأُفرِدَتِ اليَمينُ عنِ الشِّمال

وكان مُزاوَجاً من دُرِّ مَجْدٍ

به جِيدُ العُلا والمَجْدِ حال

فأصبحَ ذلك الحالي بكُرْهٍ

ومنه الشّطْرُ للأبصار خال

وعاد تُؤامُ ذاكَ الدُّرِّ فَذّاً

وحُسْنُ النّظْمِ في مَثْنَى الّلآلي

برَغْمي أنْ مضَى مَوروثُ عُمْرٍ

من الأترابِ لا مَوروثُ مال

وفارقَ صِنْوُه أَوْحَى فِراقٍ

وزالَ بهِ الرَّدى أشْجَى زِيال

أتاحَ له اللَّيالي وهْو طِفْلٌ

فِصالَ منيّةٍ قبلَ الفِصال

ولو غيْرُ المَنونِ غزا حِماها

لَقَوهُ بالفوارسِ والرِّجال

وسُدِّدَ دُونَها عِشرونَ ألْفاً

تَزعزعُ فَوقَهمْ عَذَبُ العَوالي

إذا وَردوا بها الهَيْجاءَ ظَمْأَى

صدَرْنَ من الكُلَى صَدَرَ النِّهال

وُلاةُ البِيضِ أحلاسُ المَذَاكي

هِضابُ الطَّعْنِ أَقْرانُ النِّضال

ولو ركضوا على الأفلاك صارَتْ

أَهِلّتُها طِراقاً للنِّعال

أإخْوتَها الملوكُ بلا ادّعاءٍ

وأربابَ الكمالِ بلا انتِحال

سُراةٌ في ظلامِ الخطْبِ قِدْماً

وأطْرافُ الذَّوابِلِ كالذُّبال

فلو ضَلَّ الكَرى في جُنحِ لَيلٍ

هدَوْهُ إلى النّواظرِ بالنِّبال

ولو هابَ المَشيبُ جلالَ قَوْمٍ

جَنَوهُ على المَفارقِ بالنِّصال

ولكنْ قلّما أغْنَى احْتيالٌ

إذا ما حُمَّ مَقْدورُ اغْتِيال

وما أَعمارُنا إلاّ شُموسٌ

وهل للشّمْسِ بُدٌّ من زَوال

أقَلُّ النّاسِ عُمْراً أَكرَمُوهمْ

وأقصَرُ أكْعُبِ الرُّمحِ الأَعالي

كسَوْتَ جديدَ حُزنِك غيرَ بالٍ

وحُزْنُ أبيكَ منه غيرُ بال

فزِدْتَ بكاءَ جَفنٍ غيرِ راقٍ

وهجْتَ غرامَ قَلْبٍ غيرِ سال

فيا لَهْفي على إنسانِ عَيْنٍ

عَظيمِ العزِّ مَعْ صِغَرِ المِثال

فَدَى كَرماً أخاه منَ المنايا

ومن مُتحوِّفِ الدّاء العُضال

فإن يَكُ في سِنيهِ غدا صغيراً

فلَمْ يَصغَرْ له كَرَمُ الفَعال

ومهما أنْسَ من أشياءَ يوماً

فلا أنْسَ بغُرّتِه اكْتِحالي

وخَدّاً منه يَبرُقُ مِلءَ عَيْني

كما برَق المُهنّدُ ذو الصِّقال

وقد وعَد الجميلَ الكَفُّ منه

كما شَهِدَ المُحيّا بالجَمال

فعَيْني لا تَزالُ الدَّهرَ منه

مُوكّلَةً بطَيْفٍ من خيال

طلَعْتَ لأعيُنٍ وغَرَبْتَ عنها

ألا يا قُرْبَ هَجْرٍ من وِصال

وكنتَ سرورَ أيامٍ قصارٍ

غَرسْنَ هُمومَ أعوامٍ طِوال

سَماءٌ في سمَاءِ المَجْدِ تَسْمو

فعاجَلَها المنايا بالزَّوال

فلا تَنأَى فإنّك من أُناسٍ

مَصائبُهمْ مصائب للمَعال

وكان الموتُ يَعرِفُهمْ كراماً

فَمدَّ إليهمُ كَفَّ السُّؤال

فلا تَشْكُرْ نَداهُمْ بعدَ هذا

كَفاهُ ما أَصابَ من النَّوال

فَشُدَّ يَديْكَ مجْدَ المُلْك مِنهمْ

بأنصارٍ على الخَطْبِ العُضال

هُمُ خُلِقُوا عُلاً وخُلِقْتَ مَجْداً

فبَينكُما مُناسَبةُ الجَلال

ستَجْتَمعانِ في الزَّمَنِ اتّحاداً

كَجمْعِكُما اعتياداً في المَقال

فلا تَسمَعْ منَ الحدَثانِ أن قد

سعَى في قَطْعِ ذاك الاِتّصال

فما سَبَبٌ يَشُدُّ بمِثْلِ هذا

فَيُمكِنَ أن يَصيرَ إلى انْحِلال

ألا يَكْفي ولو إحْدَى اللّيالي

كحَلْتَ العَيْنَ منها بالخَيال

فقد وجَبَ الذِّمامُ به قَديماً

وشَبَّ له الوغَى يَومَ النِّزال

وذلك كان بعدَ طويلِ عَهْدٍ

وكُلٌّ للمرائرِ والخِلال

فكم نَطْوي المَنازلَ في هَوانا

وآخِرُ مَنزِلٍ تحتَ الرِّمال

وفي الدُّنيا الدَّنيّةِ كُلُّ عالٍ

فَعُقْباهُ إلى ذاك السَّفال

صلاةُ اللهِ كُلَّ صباح يومٍ

مُعطّرةً بأنفاسِ الظِّلال

على الشّخْصِ الّذي شخَص المنايا

به عنّا وودَّع غيرَ قال

مضَى يَعتاضُ من قَصْرٍ بقَبْرٍ

ويَنزِلُ سافلاً منَ بَعْدِ عال

وعَزَّ على المُعزِّي أن يُعزّي

بأكرمِ ذاهبٍ لأَجلّ آل

ألا يا ناصراً للدّينِ نَصْراً

عزيزاً بالجِلادِ وبالجدال

أُجِلُّكَ أن أقولَ اصْبِرْ لدَهْرٍ

أَجلّك فيه رَبُّك ذو الجَلال

وأنتُ ثِمالُ كلِّ أخي مَعالٍ

إلى الجَوزاء يَنْظُر من مُعال

وتَكْمُلُ خَلّةٌ في كُلِّ نَدْبٍ

وأنت كَمُلْتَ في كُلِّ الخِلال

خُلِقتُمْ في الأنامِ نجومَ لَيْل

لها في كُلّ ِداجيةٍ تَلالي

فآخِرُكْم لآخِرِهِمْ هُداةٌ

كذا كان الأَوالي للأوالي

فإن يك غابَ عن غابٍ بِشبْلٍ

زَمانٌ في التّغشُّمِ غَيرُ آل

فنأمُلُ أن ستَخْلُفُه وشيكاً

شُبولٌ يُقْبِلونَ على تَوال

وفي بَدْرٍ بأُفْقِك مُستَنيرٍ

إذا أفْكَرتَ مُسْلٍ عن هِلال

فثِقْ باللهِ واستَنْجِدْ بصَبْرٍ

تَنلْ من عندِه أسنَى المَنال

ومثْلُكَ للورى مَن سَنَّ صَبْراً

لأنّك سابِقٌ والخَلْقُ تَال

وأربابُ الحِجا خُلِقوا ليَأْتوا

خِلافَ صَنيعِ رَبّاتِ الحِجال

تَقِرُّ إذا الغَرائبُ بادهَتْنا

وثَمّ يكونُ مُمتَحَنُ الرّجال

وتَحقِرُ كُلَّ حُزْنٍ أو سُرورٍ

كذلك كلُّ مَن عرَف اللّيالي

ودونَك نَفْثةَ المَصْدور منّي

بخَيْلِ الفِكْرِ ضَيّقةِ المَجال

فإن قضَتِ الضّرورةُ بارْتحالٍ

فيا بَيْنَ ارتجائي وارْتحالي

ولم أختَرْ مُفارَقةً ولكنْ

غدا بك عنك قلبي في اشْتِغال

ومَنْ أختارُ بعدَك من هُمامٍ

وما بعدَ الهُدى غيرُ الضَّلال

أتاني عن رسولٍ منكَ قَولٌ

عرَفْتُ به مُقدَّمةَ المَلال

فلا تُعدَمْ قَطوعاً أو وَصولاً

ولا تُذمَمْ بمَيْلٍ واعْتِدال

بَقِيتَ لنا ونَجْلَك في نعيمٍ

وفي نِعَمٍ تَدومُ على اتِّصال

وعِشْتَ من النّوائبِ في أمانٍ

ودُمتَ منَ السّعادةِ في ظِلال

أيا عَينَ الكمالِ ولا أُحابي

وقاك اللهُ من عَيْنِ الكَمال

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأرجاني

avatar

الأرجاني حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alarjani@

315

قصيدة

2

الاقتباسات

121

متابعين

أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر، ناصح الدين، الأرجاني. شاعر، في شعره رقة وحكمة. ولي القضاء بتستر وعسكر مكرم وكان في صبه بالمدرسة النظامية بأصبهان. جمع ابنه بعض شعره في ...

المزيد عن الأرجاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة