الديوان » العصر الأندلسي » الأرجاني » قسما لقد رجع النسيم عليلا

عدد الابيات : 101

طباعة

قسَماً لقد رجَعَ النَّسيمُ عليلاً

لمّا سرَى منّي إليكِ رَسولا

فأتَى لبَرْحِ هَواكِ وهْو مرَدِّدٌ

نفَساً يُسارِقُه الأنامَ طويلا

ورأى لحُبّكِ أنّه قد خانَني

فمضَى يَجُرُّ منَ الحياء ذُيولا

مسَح الدُّموعَ عنِ الجفونِ مُغالطاً

لكنْ رأَيْنا جَيْبَهُ مَبْلولا

أفبَعْدَ ما نَمّت به أنفاسُه

أبْغي على الغَدَراتِ منه دَليلا

لو لم يَنَلْ من فَضْلِ صُدغك جَذْبةً

لم يُهْدِ نَشْرَكِ للرّياضِ أصيلا

أوَ كُلّما بعث المُحبُّ رِسالةً

رجَع الرّسولُ بنَفْسِه مَشْغولا

سأعيشُ فرداً ما أُريدُ مُساعِداً

مِمّا أَرى أهْلَ الوفاء قليلا

فلَوِ استطعتُ وما استطاعةُ مُغرَمٍ

لجعَلْتُ جَفْنَكِ بالسُّهادِ كَحيلا

ومنَعْتُ طَيْفي أن يَزورَكِ خِيفةً

من أن يَخونَ كَغيْرِه ويَحولا

بل لو أذِنْتِ وقد بقيتُ منَ الضَّنى

شبَحاً لكنتُ من الخيالِ بديلا

ولَجُزْتُ ساحةَ حيِّكمْ فطرقتُكمْ

مزُوراً ولم تَرَني العيونُ نُحولا

عجباً عجِبْتُ من النّسيم إذا سرَى

واللّيلُ قد أرخَى عليه سُدولا

مَغْبوقُ كأسِ هوىً أتاني عاثراً

في ذَيْلهِ سُكراً يَميلُ مَميلا

يَشكو إليَّ من الهوَى ما نالَه

وأبَى غَريقٌ أن يُغيثَ بلييلا

أصَباً تُسمَّى الآنَ أم صَبّاً فقد

شَملَ السّقامُ لنا الجسومَ شُمولا

لئن سَقُمْتُ لمَا صَبوْتُ إليهمُ

إلاّ وجَدْتُ على البعادِ سَبيلا

فارحَمْ فتىً أحبابهُ في قلبه

وإلى وصالٍ لا يُطيقُ وُصولا

أأحِبَّتي والعَيشُ مُذْ فارقْتُكمْ

قد حال عن عَهْدِ الصّفاء حُؤولا

كانت غَمامةُ شَمْلِنا مَجْنوبةً

زمَناً فعادَ سَحابُه مَشْمولا

وأضافَنا الدَّهْرُ البخيلُ بقُربِكمْ

فرأى قليلَ ثَوائنا مَمْلولا

لا أَدَّعي جَوْرَ الزّمانِ ولا أَرى

لَيْلي يَزيدُ على اللّيالي طُولا

لكنّ مِرآةَ الصّباح تَنفُّسي

لِلهمِّ أصدأَ وَجْهَها المَصْقولا

حتّى اكتحَلْتُ بنُورِ غرّةِ قادمِ

عَزَمتْ به عنّي الهمومُ رحيلا

رُكْنٌ لدينِ اللهِ يأبَى عِزُّه

أن يستطيعَ له العِدا تَزْييلا

سائلْ مَعاهِدَ أصفهانَ أما اسْتفَتْ

ولقد رأتْ باليُمْنِ منه قُفولا

كاللّيثِ فارقَ لاقْتناصٍ غِيلَهُ

ثمّ انثنَى جَذِلاً يَحُلُّ الغِيلا

ظُفْرٌ له ظَفَرٌ ونابٌ ما نَبا

حتّى أعادَ عَدُوَّه مَأكولا

تاللهِ لو قَدرتْ غداةَ قُدومِه

طَرباً تلَقّتْه المَنابِرُ مِيلا

وغداً ستُورِقُ تَحته أعوادُها

حتّى تُظَلِّلَ صَحْبَه تَظْليلا

فرَشوا بديباجِ الخُدودِ طَريقَه

حُبّاً غدا لِمَصونِهنَّ مُذِيلا

ولوِ استُطيعَ لكان سَرْجُ حِصانِه

عِزّاً على حَدَقِ الورَى مَحْمولا

يَومٌ كأنّ اللهَ بَثَّ جُنودَه

للحَقِّ فيه منَ الضَّلالِ مُديلا

وتَملَّك الإعظامُ أَلسنةَ الورى

فسَماعُك التّكبيرَ والتَّهْليلا

والشّمسُ من خَلَلِ الغمامِ تُري الورى

طَرْفاً وقد جَنح الأصيلُ كليلا

كمَطارِ دينارٍ نفَتْه أكُفُّهِمْ

صُعُداً فحَلّق ثُمّ جَدَّ نُزولا

من بَعضِ ما نثَرتْ له أيدي الورى

حتّى حَكَى غَيْثاً عليهِ هَمولا

حتّى لكادَتْ أن تُجِدَّ خِلالَها

شمسُ المغاربِ في الأكُفُ أُفولا

وبدا الإمامُ ابنُ الإمامِ مُبوِّئاً

ظِلاًّ بنَتْه المُقرْبَاتُ ظليلا

عَقَدَ الجلالُ عليه تاجَ كرامةٍ

للمُلْكِ كَلّلَه به تَكْليلا

تُركيُّ تاجٍ قد تَغرَّبَ للعُلا

فغدا على العَربِيِّ منه نَزيلا

لثَم العِمامةَ مُقتنِعاً به

فَخْراً وبَجّل رأسَه تَبْجيلا

وكأنّما قد كانَ أَقسَم جاهداً

قسَماً فجاء كطالبٍ تَقْبيلا

لِترَى ولو يَوماً عُيونُ النّاس مِن

قَمرِ العلاء نُزولَه الإكليلا

فلْيَهْنِ ذا التّاجَيْنِ أنّ جَمالَه

لَهُما أفادا وَجْهَه التّجْميلا

وأُعيرَ مَنْكِبُه قَباءً فابْتَنى

مَجْداً لأتراكِ الزّمانِ أثيلا

كالغِمدِ رُدَّ على حُسامٍ صارمٍ

ما زال مَتْنُ العِرْضِ منه صقيلا

رُكْنٌ طُوالَ الدَّهْرِ كان مَصونُه

لِلّثْمِ لا عن ذِلّةٍ مَبْذولا

والبِيضُ مُغمدَةً ومُصلَتةً معاً

مَثُلَتْ له حَولَ الرِّكابِ مُثولا

وكأنّما الرُّمْحانِ لمّا ذَيَّلا

بُردَيْهما من خَلْفِه تَذْييلا

غُصْنا عَلاءٍ مُزْهِرٍ طَرفَاهُما

ظَمِئا فقاما يَشْكُوانِ ذُبولا

فكَسا ورُودُهما اخْضِراراً أنّه

صَحِبا غَماماً من نَداهُ هَطولا

وتَجشّمَتْ هُوجُ الرّياح عَواصِفاً

من بَعْدِ ما قِيدَتْ إليه خُيولا

من كُلِّ أَشهبَ ساطعٍ أنوارُه

كالصُّبْحِ إلاّ ناظِراً مَكْحولا

أو كُلِّ أدْهَمَ حالكٍ جِلْبابُه

كاللّيْلِ إلاّ غُرّةً وحُجولا

لمّا امتطاهُ طارَ نَسْرُ سَمائه

يَبْغي له تحتَ النُّسورِ مَقيلا

أقسَمْتُ ما لُوِيَ الحديد به ولا

جَعلوا لرِجْلِ جَوادِه تَنْعيلا

لكنّما ذاك الهلالُ وقد سَما

يُهْدي لحافرِ طِرْفِه تَقْبيلا

للهِ يَومُ مَسَرّةٍ طَردَ الأسَى

وأنال كُلَّ فؤادِ حُرٍّ سُولا

خلَعوا على البُشَراء ما لَبِسَ الورَى

حتّى النّهارُ مُلاءهُ المَسْدولا

كُلٌّ أراد خُروجَه من لُبْسِه

لمّا رأى بالسّعْدِ منه دُخولا

وحكى شَقيقُ الرَّوضِ لابسَ أحمَرٍ

قد قامَ للأذْيالِ منه مُشيلا

فكأنّه لمّا أتاهُ مُبَشِّرٌ

والشّوقُ أبقَى الجِسمَ منه نَحيلا

ألقَى العِمامةَ واشْتَهى لقميصِه

خَلْعاً ولم يكُ زِرُّه مَحْلولا

رُتَبٌ بها زيدَتْ عُلاك نَباهةً

من غيرِ أن كنتَ اشتكَيْتَ خُمولا

ولكَمْ مَواقِفَ للعُلا مَشْهورةٍ

قد فُصّلِتْ آياتُها تَفْصيلا

ناصَيْتَ فيها السّابقينَ إلى العُلا

وملأْتَ حَدَّ اللاحقِينَ فُلولا

وأرى القَواعدَ للهُدَى وأُمورَه

والدّهرُ يتْبَعُ بالفروعِ أُصولا

عادتْ بإسماعيلَ سُنّةُ رَفْعِها

نَسَقاً كما بَدأَتْ بإسْماعيلا

إن لم تكنْ فيها رَسولاً مِثلَه

فَكفِعْلِه لأبيكَ كنتَ رسولا

كُلٌّ قَسيمُ أَبيهِ في تَشْيِيدِه

وتَرى الأمورَ إذا نظَرْتَ شُكولا

شَيّدْتُما المَعْنَى كما قد شَيّدَ ال

مَبْنَى وبالأُخرى ذَكرْنا الأُولى

يا ابنَ الّذي آتاكَ زُهْرَ خِلالِه

رَبُّ السَّما ثُمَّ اصطفاهُ خَليلا

فكفاكَ فَخْراً أن تُسَمِّيَه أباً

وكفاهُ فَخْراً أن تُعَدَّ سَليلا

ولقد نشَرْتَ العلمَ نَشْراً في الوَرى

في الأرضِ حتّى لم تُخَلِّ جَهُولا

فَبقِيتَ للإسلام يا شَرفاً له

حتّى تكونَ لنَقْصِهمْ تَكْميلا

تَسْبي شَمائلُك الرِّقاقُ عقولَنا

ومنَ الشّمائلِ ما يُخالُ شَمولا

يا ابْنَ الكرامِ وطالما انتصحَ الورَى

في حادثٍ مَن كان أقومَ قِيلا

أَمُعيرُ قَولي أنت سَمْعَك ساعةً

كَرماً فاذكُرْ إن رأَيْتَ فُضولا

والنُّصْحُ قُرْطٌ ربّما يَجِدُ الفتَى

في السّمْعِ مَحْمَلَه البَهِيَّ ثَقيلا

وسِواكَ منهمْ إن عَنَيتُ بِمْقولي

فعلَى استِماعِك أجعَلُ التَّعْويلا

وإذا نظَرْتَ وأنت عارِفُ عِلّةٍ

لم تَعْيَ عن أن تَعرِفَ المَعلولا

ما للفريقَيْنِ اسْتجازا فُرْقةً

من بَعْدِ حَبْلٍ لم يَزلْ مَوْصولا

كانا معاً في وَجْهِ دينِ مُحمّدٍ

والدّهرُ يُصبِحُ للعُهودِ مُحيلا

كالمُقلتَيْنِ مع السّلامةِ لا تَرى ال

يُمنَى على اليُسرَى لها تَفْضيلا

فسعَى وُشاةٌ لا سَعوْا ما بينَهمْ

بالبَغْيِ حتّى بدَّلوا تَبْديلا

أتُهادِنُ الأعداءَ تَطلُبُ سِلْمَهُمْ

خَطْباً لعَمرُك لو عَلِمتَ جليلا

عجَباً وأنصارُ الهُدَى قد أصبَحوا

كُلٌّ لِكلٍّ مُوسِعٌ تَخْذيلا

والدَّهرُ فيه ولا دَهَتْك عَجائبٌ

تتَضمَّنُ المَحْذورَ والمَأْمولا

هي فُرصةٌ لك من زمانِك أَعرضَتْ

فانْهَضْ قَؤولاً للجميلِ فَعولا

وأعِدْ نظامَ الجانبَيْنِ كما بَدا

يَغْشَ الجميعُ جَنابَك المأْهولا

وإذا هجَمْتَ بجَمْعِهمْ كي يُصبِحوا

سَيْفاً على هامِ العِدا مَسلولا

فاسأَلْ بذاك مُحمّداً في قَبرِه

فكفَى به عن دينِه مَسْؤولا

يُخْبِرْك أنّك قد أقرَّ بعَيْنِه

ما قد عزَمتَ ويَسألُ التّعْجيلا

تأليفُ ما بَيْنَ القلوبِ لمثْلِهمْ

من بعدِ أن يَعِدَ الهوانُ جَزيلا

فخْرٌ إذا أضحَى لعَصْرِك غُرّةً

كان المَفاخِرُ كُلُّها تَحْجيلا

ولأنتَ أهدَى في الأمور إلى الّتي

تُرضي ولستَ على العُلا مَدْلولا

يا مَن يَعُدُّ اللهَ عُدّةَ نفْسِه

فإليه يَجعلُ أمْرَه مَوْكولا

لا زلتَ منه في ظلالِ عنايةٍ

حتّى تكونَ بما تشاءُ كَفيلا

وإليك من كَلِمي الحسانِ بدائعاً

كالدُّرِّ فُصِّلَ نَظْمُه تَفْصيلا

ستَرى طَوافي حَولَ بَيتِك دائماً

إن كان حَجُّ مدائحي مَقْبولا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأرجاني

avatar

الأرجاني حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alarjani@

315

قصيدة

2

الاقتباسات

123

متابعين

أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر، ناصح الدين، الأرجاني. شاعر، في شعره رقة وحكمة. ولي القضاء بتستر وعسكر مكرم وكان في صبه بالمدرسة النظامية بأصبهان. جمع ابنه بعض شعره في ...

المزيد عن الأرجاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة