الديوان » العصر الأندلسي » الأرجاني » نشدتك الله هل تدرين يا دار

عدد الابيات : 81

طباعة

نشَدْتُك اللّهَ هل تَدرينَ يا دارُ

ماذا دَعا الحَيَّ من مَغْناكِ أنْ ساروا

ساروا يَسيحون في آثار ما تَركُوا

في الدّارِ من جَفْنِ عَيْني وهْو مِدرار

وقفتُ لم أتقَلّدْ للحَيا مِنَناً

فيها ومنّيَ في الأجفانِ إسْآر

كأنّني واضعاً خَدّي به قَلَمٌ

أَبكِي أَسىً ورُسومُ الدّارِ أَسطار

دارُ التي قلتُ لمّا أن تأوَّبني

منها خيالٌ سَرى والركبُ قد حاروا

أَبارِقٌ ما أَرى أم رأيةٌ نُشِرَتْ

أم كوكبٌ في سوادِ الّليلِ أم نار

لا بل أُميمةُ أمستْ سافِراً فبَدَا

من أوّلِ الّليلِ للإصباح إِسفار

أكلّما كاد يَبْلَى الوَجْدُ جَدَّدهُ

طَيْفٌ على عُدَواء الدّارِ زَوّار

لغادةٍ كمَهاةِ الرَّمْلِ ناظرةٍ

شِفارُ أسيافِها للفَتْكِ أَشفار

خَوْدٌ إذا سفَرتْ للعين أو نطَقتْ

فالطَرْفُ لي قاطفُ والسّمعُ مُشتار

تُريكَ حَلْياً على نَحْرٍ إذا التمَعا

لاحا كأنّهما جَمْرٌ وجُمّار

لمّا أتَتْ رُسُلُ الأحلام زُرتُهمُ

ليلاً وهل عن هوَى الحسناء إقصار

والحَيُّ صرعَى كرىً في جُنْح داجيةٍ

كأنّهم منه في الأحشاء أَسرار

سحَبْتُ ذَيلَ الدُّجَى حتّى طَرقتُهمُ

بسُحرةٍ وقميصُ اللّيلِ أَطمار

أَزورُهم وسِنانُ الرُّمح من بُعُدٍ

إليّ بالمُقْلةِ الزَّرقاء نَظّار

فاليومَ لا وَصْلَ إلاّ أن يُعِلّلَني

في العينِ طيفٌ لها والقلب تَذْكار

لا أَشربُ الدّمعَ إلاّ أن تُغَنِّيَني

وُرْقٌ سواحِرُ مهما رَقَ أَسحار

من كُلِّ أخطَبَ مِسْكِيّ العِلاطِ له

في مِنْبَر الأيكِ تَسجاعٌ وتَهدار

خطيبُ خَطْبٍ وقد أفنى السّوادَ بلىً

فمِنْ بَقِيّتِه في الجِيدِ أزرار

شادٍ على مذهبِ العُشّاق أَعجَبَه

تَفَقُّهٌ فله باللّيل تَكرار

حُرٌّ رأَى فَرْطَ أشواقي فاَسعدَني

والحُرُّ يُسعِدُه في الدَّهر أحرار

صَبٌّ تَجاذَبُه الأهواءُ واقتسمَتْ

سُرىَ مطاياهُ أنجادُ وأغوار

والدَّهرُ مذ كان من تَكْديرِ مَشْربهِ

لم تَجتمِعْ فيه أوطان وأوطار

للرّوضِ والرّيحِ إذْكارٌ بفاتنتِي

فالرّوضُ حاليةٌ والريحُ مِعطار

أَمتارُ من جَفْنِها سُقْماً يُحالِفُني

فهل سَمعتُمْ بسُقْمٍ قَطُّ يُمتار

لا تَكْذِبَنَّ فسلطانُ الهَوى أبداً

في دينِه لدمِ العُشاقِ إهدار

حتّى متى يا ابنةَ الأقوامِ ظالمةً

لكِ الذُّنوبُ ولي عنهنّ أَعذار

أقسَمْتُ ما كُلُّ هذا الضّيم مُحتَملٌ

ولا فُؤادي على ما سُمْتُ صَبّار

إلاّ لأنّكِ منّى اليوم نازلةٌ

في القلب حيثُ سديدُ الدّولةِ الجار

أَعَزُّ مَن ذَبَّ عن جارٍ وأَكَرمُ مَن

هُزَّتْ إليه على الأنضاء أكوار

للهِ يومٌ تَجلَتْ فيه عُزَّتُه

ساعاتُه غُرّةٌ للنّاسِ أعمار

كأنّه كَعبةٌ قد سافَرتْ كَرماً

حتّى قضَى الحَجَّ في الأوطانِ زُوّار

لكنْ بدا كعبةً ما دونَ طَلْعتِه

للعينِ إلاّ غبارَ الخيلِ أَستار

كأنّما الشّمسُ فيما ثار مِن رَهَجٍ

سِرٌّ له في صَميمِ القلبِ إضمار

كأنّها من خلالِ النَقْعِ قائلةٌ

إن غابَ نُورٌ كفَتْكم منه أَنوار

من باهرِ البِشْرِ وَضّاحِ أَسِرَّتُه

بالوجهِ منه للَيْلِ النّقْعِ أَقمار

وتحته مُقْبِلاً رِيحٌ مُجسّمَةٌ

يُصيبُ منها جَبينَ النّجمِ إعصار

كأنّها في حواشي رَوضةٍ أُنُفٍ

فالحلْيُ منها على الأَقطار نُوّار

إذا مَساعِي سديدِ الدَّولتينِ بدَتْ

فما لِسَعْيِ ملوكِ الدَّهْرِ أخطار

سما يرومُ العلا حتّى المجَرّة مِن

تَسحابِه الذَّيلَ في مَسْراه آثار

والشّمسُ والبدرُ مِن فَضْلاتِ ما نثروا

في طُرْقِه درهمٌ مُلقىً ودينار

للنّاظِرِين إلى عَليائه وإلى

عُلْيا بني الدّهرِ إكبارٌ وإصغار

في كفِّه قلمٌ للخطْبِ يُعملُه

كأنّه لجِراحِ الدَّهرِ مِسْبار

تخالُه رايةَ للفضلِ في يدِه

وخلْفَها جحفلٌ للرَّأيِ جرّار

يَزِلُّ منه إلى القرطاسِ دُرُّ نُهىً

لهنّ عند ذوِي التّيجانِ أقدار

ما تُضمِرُ النّفْسُ شكّاً أنّها دُرَرٌ

بِيضٌ لهنَّ كما للدُّرِّ أَبشار

لكنْ لمُلْكِ بني العّباسِ دَعْوَتُها

من أجلِ ذلكَ للتّسويدِ تُختار

تَهْدِي الوَرى بمِدادٍ والعيونَ كذا

منها الأناسيُّ سُودٌ وهْي أبصار

لمّا أهابَ أميرُ المؤمنين إلى

تذْليلِ صعْبٍ أُتيحتْ فيه أسفار

فارقْتَه لا لنقْصٍ منك يُكْمِلُه

سيْرٌ كما ابتدَرتْ بالبُعْدِ أقمار

وإنّما لك عند الاجتماعِ به

قبلَ انصرافِكَ عنه ثَمَّ إبدار

بل أنت سَهْمٌ سديد من كِنانتهِ

له مع اليُمْنِ إيرادٌ وإصدار

سَهْمٌ يُنالُ به ثأْرُ الهُدَى أبداً

إذا ترامتْ به في اللهِ أوتار

يُصيبُ قاصيةَ الأغراضِ مُرسِلُه

حزْماً وَيسبِقُ بالإصماء إنذار

يُرضي الأئمّةَ في قُرْبٍ وفي بُعُدٍ

أقام في الحيِّ أم شطّتْ بهِ الدّار

ذو طاعَتيْنِ بخط لم يزَلْ وخُطاً

ميْمونةٍ نقْلُها للمُلْكِ إقرار

يَسيرُ كيْما يُقِيموا في العُلا وكذا

شُهْبُ الدُّجَى ثابِتٌ منها وسَيّار

فالمُلْكُ في بَيْتِه يُلْفَي تَمَهُّدُه

بأن يُرَى منك في الآفاقِ تَسيار

كالأرضِ يُمْسِكُها ألاّ يَزال يُرَى

من حَولِها فَلَكٌ يُحْتَثُّ دَوّار

يا ابنَ الأكارمِ والآباءُ ما كسَبوا

منَ العُلا فهْو للأبناء أذخار

شَرُفْتَ نفْساً ونَجْراً والأصولُ كَذا

إذا صفَتْ لم تَضِرْ بالفَرْعِ أكدار

آلاؤك الطّوقُ والنّاسُ الحَمامُ فهم

في حَلْيها وقَعوا في الأرضِ أم طاروا

ما إن تُفَكُّ طُلاهم من قلائدِها

ما أنجدوا في بلادِ اللهِ أو غاروا

كمن تألَّى على مَسْح السّحاب إذا

صافَحْتَهُ أنت عامَ الجَدْبِ أبرار

جَزتْكَ عنّا جوازي الخيرِ من رَجُلٍ

آثارُه كلُّها في الحُسْن أسمار

ليثُ الكتيبةِ أم ليثُ الكتابة أم

حاوِي المعاني وما للحَقِّ إنكار

ليثٌ عَرِيناهُ باْسٌ أو ندىً ولَه

بالبِيضِ والرُّقشِ أنيابٌ وأظفار

لكَ المَقاوِمُ دونَ الدّينِ قُمْتَ بها

ثَبْتَ المواقفِ والأعداءُ قد ثاروا

والبِيضُ قد فُتّقتْ عنها كَمائمُها

والسُّمْرُ منهنّ في الأطرافِ أزهار

والخيلُ تُوردُها الفُرسانُ بحْرَدَمٍ

تَخوضُه ولبَرقِ السّيفِ أمطار

لمّا انثنَوا وسيوفُ الهندِ مخمَدةٌ

نيرانُها ورماحُ الخَطِّ أكسار

حَنَّتْ ضلوعُ الحنايا العوجُ نحوَ عِداً

أحداقُهم لِمُطارِ النَّبْلِ أوكار

حتّى إذا ما جرتْ في كلِّ مُلتفَتٍ

من فْرطِ إنهارِهم للطَّعْنِ أنهار

رَدّوا الوشيجَ وفي أغصانِه وَرَقٌ

من الدّماء وبالهاماتِ أثمار

ما إن شهِدْتَ الحروبَ العُونَ لاقِحةً

إلاّ نتجْنَ فُتوحٌ ثَمَّ أبكار

عاداتُ نصْرٍ على الأعداء عَوّدها

هادٍ إلى اللهِ يُهْدِي الخلقَ إن حاروا

خليفةُ اللهِ مَن أضحَى مُخالِفَه

أتاه مِن طَرفيْهِ النّارُ والعار

فلا عَدا السّوءُ مَنْ عاداهُ من مَلكٍ

كَفّارُ أنعُمه باللهِ كَفّار

ودامَ مُرعيهِ أهْلَ الدّهرِ راعيَهُ

ما استَوعبَتْ سِيَرَ الأحرارِ أشعار

وعادَ وافِدُ هذا العيدِ نَحوَكُما

بالسّعْدِ مَاكرَّ بالأعيادِ أعصار

مُضحّياً بالعدا تُدمَى تَرائبُها

ما سُنَّ بالبُدنِ إذ يُهدَيْنَ إشعار

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن الأرجاني

avatar

الأرجاني حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-alarjani@

315

قصيدة

2

الاقتباسات

121

متابعين

أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر، ناصح الدين، الأرجاني. شاعر، في شعره رقة وحكمة. ولي القضاء بتستر وعسكر مكرم وكان في صبه بالمدرسة النظامية بأصبهان. جمع ابنه بعض شعره في ...

المزيد عن الأرجاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة