الديوان » مصر » محمود سامي البارودي » هوى كان لي أن ألبس المجد معلما

عدد الابيات : 52

طباعة

هَوَىً كَانَ لِي أَنْ أَلْبَسَ الْمَجْدَ مُعْلَمَا

فَلَمَّا مَلَكْتُ السَّبْقَ عِفْتُ التَّقَدُّمَا

وَمَنْ عَرفَ الدُّنْيَا رَأَى مَا يَسُرُّهُ

مِنَ الْعَيْشِ هَمّاً يَتْرُكُ الشَّهْدَ عَلْقَمَا

وَأَيُّ نَعِيمٍ فِي حَيَاةٍ وَرَاءَهَا

مَصَائِبُ لَوْ حَلَّتْ بِنَجْمٍ لأَظْلَمَا

إِذَا كَانَ عُقْبَى كُلِّ حَيٍّ مَنِيَّةٌ

فَسِيَّانِ مَنْ حَلَّ الْوِهَادَ وَمَنْ سَمَا

وَمِنْ عَجَبٍ أَنَّا نَرَى الْحَقَّ جَهْرَةً

وَنَلْهُو كَأَنَّا لا نُحَاذِرُ مَنْدَمَا

يَوَدُّ الْفَتَى فِي كُلِّ يَوْمٍ لُبَانَةً

فَإِنْ نَالَهَا أَنْحَى لأُخْرَى وَصَمَّمَا

طَمَاعَةُ نَفْسٍ تُورِدُ الْمَرْءَ مَشْرَعاً

مِنَ الْبُؤْسِ لا يَعْدُوهُ أَوْ يَتَحَطَّمَا

أَرَى كُلَّ حَيٍّ غَافِلاً عَنْ مَصِيرِهِ

وَلَوْ رَامَ عِرْفَانَ الْحَقِيقَةِ لانْتَمَى

فَأَيْنَ الأُلَى شَادُوا وَبَادُوا أَلَمْ نَكُنْ

نَحُلُّ كَمَا حَلُّوا وَنَرْحَلُ مِثْلَمَا

مَضَوْا وَعَفَتْ آثَارُهُمْ غَيْرَ ذُكْرَةٍ

تُشِيدُ لَنَا مِنْهُمْ حَدِيثاً مُرَجَّمَا

سَلِ الأَوْرَقَ الْغِرِّيدَ فِي عَذَبَاتِهِ

أَنَاحَ عَلَى أَشْجَانِهِ أَمْ تَرَنَّمَا

تَرَجَّحَ فِي مَهْدٍ مِنَ الأَيْكِ لا يَنِي

يَمِيلُ عَلَيْهِ مَائِلاً وَمُقَوَّما

يَنُوحُ عَلَى فَقْدِ الْهَديلِ وَلَمْ يَكُنْ

رَآهُ فَيَا لِلَّهِ كَيْفَ تَهَكَّمَا

وَشَتَّانَ مَنْ يَبْكِي عَلَى غَيْرِ عِرْفَةٍ

جِزَافاً وَمَنْ يَبْكِي لِعَهْدٍ تَجَرَّمَا

لَعَمْرِي لَقَدْ غَالَ الرَّدَى مَنْ أُحِبُّهُ

وَكَانَ بِوُدِّي أَنْ أَمُوتَ وَيَسْلَمَا

وَأَيُّ حَيَاةٍ بَعْدَ أُمٍّ فَقَدْتُهَا

كَمَا يَفْقِدُ الْمَرْءُ الزُّلالَ عَلَى الظَّمَا

تَوَلَّتْ فَوَلَّى الصَّبْرُ عَنِّي وَعَادَنِي

غَرَامٌ عَلَيْهَا شَفَّ جِسْمِي وَأَسْقَمَا

وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا ذُكْرَةٌ تَبْعَثُ الأَسَى

وَطَيْفٌ يُوَافِينِي إِذَا الطَّرْفُ هَوَّمَا

وَكَانَتْ لِعَيْنِي قُرَّةً وَلِمُهْجَتِي

سُرُوراً فَخَابَ الطَّرْفُ وَالْقَلْبُ مِنْهُمَا

فَلَوْلا اعْتِقَادِي بِالْقَضَاءِ وَحُكْمِهِ

لَقَطَّعْتُ نَفْسِي لَهْفَةً وَتَنَدُّمَا

فَيَا خَبَرَاً شَفَّ الْفُؤَادَ فَأَوْشَكَتْ

سُوَيْدَاؤُهُ أَنْ تَسْتَحِيلَ فَتَسْجُمَا

إِلَيْكَ فَقَدْ ثَلَّمْتَ عَرْشاً مُمَنَّعاً

وَفَلَّلْتَ صَمْصَاماً وَذَلَّلْتَ ضَيْغَمَا

أَشَادَ بِهِ النَّاعِي وَكُنْتُ مُحَارِبَاً

فَأَلْقَيْتُ مِنْ كَفِي الْحُسَامَ الْمُصَمِّمَا

وَطَارَتْ بِقَلْبِي لَوْعَةٌ لَوْ أَطَعْتُهَا

لأَوْشَكَ رُكْنُ الْمَجْدِ أَنْ يَتَهَدَّمَا

وَلَكِنَّنِي رَاجَعْتُ حِلْمِي لأَنْثَنِي

عَنِ الْحَرْبِ مَحْمُودَ اللِّقَاءِ مُكَرَّمَا

فَلَمَّا اسْتَرَدَّ الْجُنْدَ صِبْغٌ مِنَ الدُّجَى

وَعَادَ كِلا الْجَيْشَيْنِ يَرْتَادُ مَجْثِمَا

صَرَفْتُ عِنَانِي رَاجِعَاً وَمَدَامِعِي

عَلَى الْخَدِّ يَفْضَحْنَ الضَّمِيرَ الْمُكَتَّمَا

فَيَا أُمَّتَا زَالَ الْعَزَاءُ وَأَقْبَلَتْ

مَصَائِبُ تَنْهَى الْقَلْبَ أَنْ يَتَلَوَّمَا

وَكُنْتُ أَرَى الصَّبْرَ الْجَمِيلَ مَثُوبَةً

فَصِرْتُ أَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَأْثَمَا

وَكَيْفَ تَلَذُّ الْعَيْشَ نَفْسٌ تَدَرَّعَتْ

مِنَ الْحُزْنِ ثَوْباً بِالدُّمُوعِ مُنَمْنَمَا

تَأَلَّمْتُ فِقْدَانَ الأَحِبَّةِ جَازِعَاً

وَمَنْ شَفَّهُ فَقْدُ الْحَبِيبِ تَأَلَّمَا

وَقَدْ كُنْتُ أَخْشَى أَنْ أَرَاكِ سَقِيمَةً

فَكَيْفَ وَقَدْ أَصْبَحْتِ فِي التُرْبِ أَعْظُمَا

بَلَغْتِ مَدَى تِسْعِينَ فِي خَيْرِ نِعْمَةٍ

وَمَنْ صَحِبَ الأَيَّامَ دَهْراً تَهَدَّمَا

إِذَا زَادَ عُمْرُ الْمَرْءِ قَلَّ نَصِيبُهُ

مِنَ الْعَيْشِ وَالنُّقْصَانُ آفَةُ مَنْ نَمَا

فَيَا لَيْتَنَا كُنَّا تُرَابَاً وَلَمْ نَكُنْ

خُلِقْنَا وَلَمْ نَقْدَمْ إِلَى الدَّهْرِ مَقْدَمَا

أَبَى طَبْعُ هَذَا الدَّهْرِ أَنْ يَتَكَرَّمَا

وَكَيْفَ يَدِي مَنْ كَانَ بِالْبُخْلِ مُغْرَمَا

أَصَابَ لَدَيْنَا غِرّةً فَأَصَابَنَا

وَأَبْصَرَ فِينَا ذَلّةً فَتَحَكَّمَا

وَكَيْفَ يَصُونُ الدَّهْرُ مُهْجَةَ عَاقِلٍ

وَقَدْ أَهْلَكَ الْحَيَّيْنِ عَادَاً وَجُرْهُمَا

هُوَ الأَزْلَمُ الْخَدَّاعُ يَخْفِرُ إِنْ رَعَى

وَيَغْدِرُ إِنْ أَوْفَى وَيُصْمِي إِذَا رَمَى

فَكَمْ خَانَ عَهْدَاً وَاسْتَبَاحَ أَمَانَةً

وَأَخْلَفَ وَعْدَاً وَاسْتَحَلَّ مُحَرَّمَا

فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ أَخْنَتْ بِصَرْفِهَا

عَلَيَّ فَأَيُّ النَّاسِ يَبْقَى مُسَلَّمَا

وَإِنِّي لأَدْري أَنَّ عَاقِبَةَ الأَسَى

وَإِنْ طَالَ لا يُرْوِي غَلِيلاً تَضَرَّمَا

وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ تَرَى الصَّبْرَ سُبَّةً

عَلَيْهَا وَتَرْضَى بِالتَّلَهُّفِ مَغْنَمَا

وَكَيْفَ أَرَانِي نَاسِياً عَهْدَ خُلَّةٍ

أَلِفْتُ هَوَاهَا نَاشِئاً وَمُحَكَّمَا

وَلَوْلا أَلِيمُ الْخَطْبِ لَمْ أَمْرِ مُقْلَةً

بِدَمْعٍ وَلَمْ أَفْغَرْ بِقَافِيَةٍ فَمَا

فَيَا رَبَّةَ الْقَبْرِ الْكَرِيمِ بِمَا حَوَى

وَقَتْكِ الرَّدَى نَفْسِي وَأَيْنَ وَقَلَّمَا

وَهَلْ يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ فِدْيَةَ رَاحِلٍ

تَخَرَّمَهُ الْمِقْدَارُ فِيمَنْ تَخَرَّمَا

سَقَتْكِ يَدُ الرِّضْوَانِ كَأْسَ كَرَامَةٍ

مِنَ الْكَوْثَرِ الْفَيَّاضِ مَعْسُولَةَ اللَّمَى

وَلا زَالَ رَيْحَانُ التَّحِيَّةِ نَاضِرَاً

عَلَيْكِ وَهَفَّافُ الرِّضَا مُتَنَسَّمَا

لِيَبْكِ عَلَيْكِ الْقَلْبُ لا الْعَيْنُ إِنَّنِي

أَرَى الْقَلْبَ أَوْفَى بِالْعُهُودِ وَأَكْرَمَا

فَوَاللَّهِ لا أَنْسَاكِ مَا ذَرَّ شَارِقٌ

وَمَا حَنَّ طَيْرٌ بِالأَرَاكِ مُهَيْنِمَا

عَلَيْكِ سَلامٌ لا لِقَاءَةَ بَعْدَهُ

إِلَى الْحَشْرِ إِذْ يَلْقَى الأَخِيرُ الْمُقَدَّمَا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود سامي البارودي

avatar

محمود سامي البارودي حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-samial-baroudi@

374

قصيدة

8

الاقتباسات

1888

متابعين

محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري. 1255-1322 هـ / 1839-1904 م أول ناهض بالشعر العربي من كبوته، في العصر الحديث، وأحد القادة الشجعان، جركسي الأصل من ...

المزيد عن محمود سامي البارودي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة