الديوان » مصر » محمود سامي البارودي » لعزة هذي اللاهيات النواعم

عدد الابيات : 75

طباعة

لِعِزَّةِ هَذِي اللاهِيَاتِ النَّوَاعِمِ

تَذِلُّ عَزِيزَاتُ النُّفُوسِ الْكَرَائِمِ

فَمَا كُنْتُ لَوْلاهُنَّ تَهْتَاجُنِي الصَّبَا

أَصِيلاً وَيُشْجِينِي هَدِيرُ الْحَمَائِمِ

وَلا شَاقَنِي بَرْقٌ تَأَلَّقَ مَوْهِنَاً

كَزَنْدٍ تُوَالِي قَدْحَهُ كَفُّ ضَارِمِ

وَبَيْضَاءَ رَيَّا الرِّدْفِ مَهْضُومَةِ الْحَشَا

يُقِلُّ ضُحَاهَا جُنْحَ أَسْوَدَ فَاحِمِ

مِنَ الْعِينِ يَحْمِي خِدْرَهَا كُلُّ ضَيْغَمٍ

بَعِيد مَشَقِّ الْجَفْنِ عَبْلِ الْمَعَاصِمِ

فَلَوْلا هَوَاهَا مَا تَغَنَّتْ حَمَامَةٌ

بِغُصْنٍ وَلا انْهَلَّتْ شُؤُونُ الْغَمَائِمِ

وَلا الْتَهَبَ الْبَرْقُ اللَّمُوعُ وَلا غَدَتْ

تَحِنُّ مَطَايَانَا حَنِينَ الرَّوَائِمِ

أَمَا وَهِلالٍ فِي دُجُنَّةِ طُرَّةٍ

يَلُوحُ وَدُرٍّ فِي عَقِيقِ مَبَاسِمِ

لَقَدْ أَوْدَعَ الْبَيْنُ الْمُشِتُّ بِمُهْجَتِي

نُدُوبَاً كَأَثْرِ الْوَشْمِ مِنْ كَفِّ وَاشِمِ

وَكَمْ لَيْلَةٍ سَاوَرْتُهَا نَابِغِيَّةٍ

سَقَتْنِي بِمَا مَجَّتْ شِفَاهُ الأَرَاقِمِ

كَأَنَّ الثُّرَيَّا كَفُّ عَذْرَاءَ طفْلَةٍ

بِهِ رَعْشَةٌ لِلْبَيْنِ بَادِي الْخَوَاتِمِ

إِذَا اضْطَرَبَتْ تَحْتَ الظَّلامِ تَخَالُهَا

دُمُوعَ الْعَذَارَى فِي حِدَادِ الْمَآتِمِ

وَبَرْقٍ يَمَانِيٍّ أَرِقْتُ لِوَمْضِهِ

يَطِيرُ بِهُدَّابٍ كَثِيرِ الزَّمَازِمِ

كَأَنَّ اصْطِخَابَ الرَّعْدِ فِي جَنَبَاتِهِ

هَدِيرُ فُحُولٍ أَوْ زَئِيرُ ضَرَاغِمِ

تَخَالَفتِ الأَهْوَاءُ فِيهَا فَعَاذِرٌ

هَوَايَ الَّذِي أَشْكُو وَآخَرُ لائِمِي

وَنَافَسَنِي فِي حُبِّهَا كُلُّ كَاشِحٍ

يَلُفُّ عَلَى الشَّحْنَاءِ عُوجَ الْحَيَازِمِ

فَكَمْ صَاحِبٍ أَلْقَاهُ يَحْمِلُ صَدْرُهُ

فُؤَادَ عَدُوٍّ فِي ثِيَابِ مُسَالِمِ

أُغَالِطُهُ قَوْلِي وَأَمْحَضُهُ الْوَفَا

كَأَنِّي بِمَا فِي صَدْرِهِ غَيْرُ عَالِمِ

وَمَنْ لَمْ يُغَالِطْ فِي الزَّمَانِ عَدُوَّهُ

وَيُبْدِي لَهُ الْحُسْنَى فَلَيْسَ بِحَازِمِ

فَيَا رَبَّةَ الْخَالِ الَّتِي هَدَرَتْ دَمِي

وَأَلْقَتْ إِلَى أَيْدِي الْفِرَاقِ شَكَائِمِي

إِلَيْكِ اسْتَثَرْتُ الْعَيْنَ مَحْلُولَةَ الْعُرَا

وَفِيكِ رَعَيْتُ النَّجْمَ رَعْيَ السّوَائِمِ

فَلا تَتْرُكي نَفْسِي تَذُوبُ وَمُهْجَتِي

تَسِيلُ دَمَاً بَيْنَ الدُّمُوعِ السَّوَاجِمِ

أَقُولُ لِرَكْبٍ مُدْلِجِينَ هَفَتْ بِهِمْ

رِيَاحُ الْكَرَى مِيلِ الطُّلَى وَالْعَمَائِمِ

تَجِدُّ بِهِمْ كُومُ الْمَهَارِي لَوَاغِباً

عَلَى مَا تَرَاهُ دَامِيَاتِ الْمَنَاسِمِ

تُصِيخُ إِلَى رَجْعِ الْحُدَاءِ كَأَنَّهَا

تَحِنُّ إِلَى إِلْفٍ قَدِيمٍ مُصَارِمِ

وَيَلْحَقُهَا مِنْ رَوْعَةِ السَّوْطِ جِنَّةٌ

فَتَمْرُقُ شُعْثاً مِنْ فِجَاجِ الْمَخَارِمِ

لَهُنَّ إِلَى الْحَادِي الْتِفَاتَهُ وَامِقٍ

فَمِنْ رَازِحٍ مُعْيٍ وَآخَرَ رَازِمِ

أَلا أَيُّهَا الرَّكْبُ الَّذِي خَامَرَ السُّرَى

بِكُلِّ فَتَىً لِلْبَيْنِ أَغْبَرَ سَاهِمِ

قِفَا بِي قَلِيلاً وَانْظُرَا بِيَ أَشْتَفِي

بِلَثْمِ الْحَصَى بَيْنَ اللِّوَى فَالنَّعَائِمِ

فَكَمْ عَهْدِ صِدْقٍ مَرَّ فِيهِ وَأَعْصُرٍ

تَوَلَّتْ عِجَالاً دُونَ تَهْوِيمِ نَائِمِ

أَبِيتُ لَهَا دَامِي الْجُفُونِ مُسَهَّدَاً

طَرِيحَ الثَّرَى مُحْمَرَّ طَرْفِ الأَبَاهِمِ

وَمَا هَاجَنِي إِلَّا عُصَيْفِيرُ رَوْضَةٍ

عَلَى مَلْعَبٍ مِنْ دَوْحَةِ الضَّالِ نَاعِمِ

يَصِيحُ فَمَا أَدْرِي لِفُرْقَةِ صَاحِبٍ

كَرِيمِ السَّجَايَا أَمْ يُغَنِّي لِقَادِمِ

كَأَنَّ الْعُصَيْفِيرَ اسْتُطِيرَ فُؤَادُهُ

سُرُوراً بِرَبِّ الْمَكْرُمَاتِ الْجَسَائِمِ

أَبُو الْمَجْدِ نَجْلُ الْجَوْدِ خَالُ زَمَانِهِ

أَخُو الْفَخْرِ إِسْمَاعِيلُ خِدْنُ الْمَكَارِمِ

قَشِيبُ الصِّبَا كَهْلُ التَّدَابِيرِ جَامِعٌ

صُنُوفَ الْعُلا وَالْمَجْدِ فِي صَدْرِ جَازِمِ

تَجَمَّعُ فِيهِ الْحِلْمُ وَالْبَأْسُ وَالنَّدَى

فَلَيْسَ لَهُ فِي مَجْدِهِ مِنْ مُزَاحِمِ

ذَكَاءُ أَرِسْطَالِيسَ فِي حِلْم أَحْنَفٍ

وَهِمَّةُ عَمْرٍو فِي سَمَاحَةِ حَاتِمِ

لَهُ تَحْتَ أَسْتَارِ الْغُيُوبِ وَفَوْقَهَا

عُيُونٌ تَرَى الأَشْيَاءَ لا وَهْمُ وَاهِمِ

فَنَظْرَتُهُ وَحْيٌ وَسَاكِنُ صَدْرِهِ

فُؤَادُ خَبِيرٍ نَاطِقٍ بِالْعَظَائِمِ

تَكَادُ لِعلْيَاهُ الْمَلائِكُ تَرْتَمِي

عَلَى كَتِفَيْهِ كَالطُّيُورِ الْحَوَائِمِ

أَرَاهُ فَيَمْحُونِي الْجَلالُ وَأَنْتَحِي

أَغَالِطُ أَفْكَارِي وَلَسْتُ بِحَالِمِ

وَتُوهِمُنِي نَفْسِي الْكِذَابَ سَفَاهَةً

أَلا إِنَّمَا الأَوْهَامُ طُرْقُ الْمَآثِمِ

هُوَ السَّيْفُ فِي حَدّيْهِ لِينٌ وَشِدَّةٌ

فَتَلْقَاهُ حُلْوَ الْبِشْرِ مُرَّ الْمَطَاعِمِ

تَرَاهُ لَدَى الْخَطْبِ الْمُلِمِّ مُجَمِّعاً

عُرَا الْحِلْمِ ثَبْتَ الْجَأْشِ مَاضِي الْعَزَائِمِ

لَهُ النَّظْرَةُ الشَّزْرَاءُ يَعْقُبُهَا الرِّضَا

لإِسْعَافِ مَظْلُومٍ وَإِرْغَامِ ظَالِمِ

فَلَوْلا نَدَى كَفَّيْهِ أَوْقَدَ بَأْسُهُ

لَدَى الرَّوعِ أَطْرَافَ الظُّبَا وَاللَّهَاذِمِ

وَلَوْلا ذَكَاهُ أَعْشَبَتْ بِيَمِينِهِ

قَنَا الْخَطِّ وَاخْضَلَّت طُرُوسُ الْمَظَالِمِ

لَهُ بَيْتُ مَجْدٍ رَفْرَفَتْ دُونَ سَقْفِهِ

حَمَامُ الدَّرَارِي مُشْمَخِرُّ الدَّعَائِمِ

فَمَنْ رَامَهُ فَلْيَتَّخِذْ مِنْ قَصَائِدِي

سُطُوراً إِلَى مَرْقَاهُ مِثْلَ السَّلالِمِ

فَيَا بْنَ الأُلَى سَادُوا الْوَرَى وَانْتَهَوْا إِلَى

تَمَامِ الْعُلا مِنْ قَبْلِ نَزْعِ التَّمَائِمِ

أُهَنِّيكَ بِالْمُلْكِ الَّذِي طَالَ جِيدُهُ

بِعِزِّكَ حَتَّى حَلَّ بَيْتَ النَّعَائِمِ

لَسَوَّدْتَهُ بِالْفَخْرِ فَابْيَضَّ وَجْهُهُ

بِأَسْمَرَ خَطِّيٍّ وَأَبْيَضَ صَارِمِ

تَدَارَكْتَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ كَادَ يَنْمَحِي

لِفَرْطِ تَبَارِيحِ الدُّهُورِ الْغَواشِمِ

بَكَى زَمَناً وَاغْبَرَّ حَتَّى أَتَيْتَهُ

فَعَادَ رَحِيبَ الصَّدْرِ طَلْقَ الْمَبَاسِمِ

وَسُسْتَ الْوَرَى بِالْعَدْلِ حَتَّى تَشَوُّقَاً

إِلَيْكَ الْتَوَى جِيدُ الدُّهُورِ الْقَدَائِمِ

وَجِئْتَ مَجِيءَ الْبَدْرِ مَدَّ شُعَاعَهُ

عَلَى أُفُقٍ بِالْجَوْنِ وَحْفِ الْقَوَادِمِ

بِرَأْيٍ كَخَيْطِ الشَّمْسِ نُوراً تَخَالُهُ

فِرِنْداً تَمَشَّى فِي خُدُودِ الصَّوَارِمِ

فَلَوْ مِصْرُ تَدْرِي أَرْسَلَتْ لَكَ نِيلَهَا

لِيَلْقَاكَ فِي جُنْحٍ مِنَ اللَّيْلِ قَاتِمِ

وَجَاءَتْ لَكَ الأَهْرَامُ تَسْعَى تَشَوُّقاً

إِلَى دَارِ قُسْطَنْطِينَ سَعْيَ النَّسَائِمِ

فَبُورِكْتَ فِي مُلْكٍ وَرِثْتَ ذَمَاءَهُ

وَخَلَّدْتَهُ فِي نَسْلِ مَجْدٍ أَكَارِمِ

بِهِمْ كُلُّ غِطْرِيفٍ يَمُدُّ إِلَى الْعُلا

يَداً خُلِقَتْ فِينَا لِبَذْلِ الْمَكَارِمِ

يَجُولُ مَجَالَ الْبَرْقِ وَالْخَيْلُ تَرْتَمِي

بِأَعْطَافِهَا فِي الْمَأْزِقِ الْمُتَلاحِمِ

فَمَا رَوْضَةٌ غَنَّاءُ بَاكَرَهَا الْحَيَا

بِأَوْطَفَ سَاجٍ أَشْعَلِ الْبَرْقِ سَاجِمِ

يَصُوعُ بِهَا نَشْرُ الْعَبِيرِ فَتَغْتَدِي

تَقَاسَمُهُ فِينَا أَكُفُّ النَّوَاسِمِ

إِذَا الشَّمْسُ لاحَتْ مِنْ خِلالِ ظِلالِهَا

عَلَى الأَرْضِ لاحَتْ مِثْلَ دُورِ الدَّرَاهِمِ

يَقِيلُ بِهَا سِرْبُ الْمَهَا وَهْوَ آمِنٌ

فَمِنْ أَرْبَدَ سَاجٍ وَأَحْوَرَ بَاغِمِ

بِأَلْطَفَ مِنْ أَخْلاقِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ

إِذَا الْعُودُ ضَمَّتْهُ أَكُفُّ الْعَوَاجِمِ

وَمَا الشِّعْرُ مِنْ دَأْبِي وَلا أَنَا شَاعِرٌ

وَلا عَادَتِي نَعْتُ الصُّوَى وَالْمَعَالِمِ

وَلَكِنْ حَدَانِي جُودُهُ فَاسْتَثَارَنِي

لِوَصْفِ مَعَالِيهِ الْعِظَامِ الْجَسَائِمِ

وَكَيْفَ وَجَدْوَاهُ ثَنَتْ ضَبْعَ هِمَّتِي

وَهَزَّتْ إِلَى نَظْمِ الْقَرِيضِ قَوَادِمِي

فَتِلْكَ لآلٍ أَمْ رَبِيعٌ تَفَتَّحَتْ

أَزَاهِرُهُ كَالزُّهْرِ أَمْ نَظْمُ نَاظِمِ

وَمَا هُوَ إِلَّا عِقْدُ مَدْحٍ نَظَمْتُهُ

لِجِيدِ عُلاهُ فِي صُدُورِ الْمَوَاسِمِ

فَعِشْ مَا تَغَنَّتْ بِالأَرَاكِ حَمَامَةٌ

وَمَا اتَّجَهَتْ لِلْبَرْقِ نَظْرَةُ شَائِمِ

لَكَ السَّعْدُ خِدْنٌ وَالْمَهَابَةُ صَاحِبٌ

وَشَخْصُ الْعُلا وَالنَّصْرِ فِي زِيِّ خَادِمِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمود سامي البارودي

avatar

محمود سامي البارودي حساب موثق

مصر

poet-mahmoud-samial-baroudi@

374

قصيدة

8

الاقتباسات

1888

متابعين

محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري. 1255-1322 هـ / 1839-1904 م أول ناهض بالشعر العربي من كبوته، في العصر الحديث، وأحد القادة الشجعان، جركسي الأصل من ...

المزيد عن محمود سامي البارودي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة