الديوان » العراق » حيدر الحلي » وصبت وريعان الشبيبة مونق

عدد الابيات : 116

طباعة

وصبت ورَيعانُ الشبيبةِ مونقُ

وجفت وقد لبس المشيب المفرقُ

والغيدُ طوعَ نسيمِ رَيعانِ الصِبا

يهتزُّ غصن شبابهنَّ المورق

والشيبُ إن حطَّت عقابُ نهاره

فغرابُ ليلةِ وصلِهنَّ محلِّق

أدرت فتاةُ الحيِّ إنِّي مذ نأت

قلبي أسيرُ هوًى ودمعي مُطلق

أنا والجوى والدمعُ وهي ومُهجتي

طوعُ البعادِ مغرّبٌ ومشرّق

عافت أخا دمعي العقيقَ وثغرُها

أمسى يَضيءُ به أخوه الأبرق

لله موقفنا صبيحةَ أجمعت

بيناً له جزعاً بريقي أشرق

ومسكتُ قلبي كي يقرَّ وإنَّه

ليكادُ يلفظه الزفيرُ فيحرق

وكظمتُ أنفاسي الغداةَ وفوقَها

كادت مجامعُ أضلعي تتفرَّقُ

جاذبتُها فضلَ الرداءِ فأقبلت

بالعُنف تجمعُ ما جذبتُ وأرفق

ومذ استقلَّ بها الفراقُ دعوتُها

بالدمع إذ هو مِن لِساني أطلق

ألله يا ذات النطاقِ بواجمٍ

لسُنُ المدامع عن جواه تنطِق

وتذكَّري عهدَ المودَّةِ بيننا

أيَّامَ أوقاتي بلهوكِ تُنفق

متألّفين بحيثُ لا ظلُّ الهوى

صاحٍ ولا صفوُ الودادِ مرنَّق

في روضة عذراءَ لم يبرح بها

يمري مذانبه الغمام المغذق

يسري النسيمُ عليلةٌ أنفاسهُ

فيها بنشرٍ من عبيركِ يعبَق

وعيون نرجسُها المُندَّى غازلت

منكِ المحيَّا وهو شمسٌ تشرق

فكأَنَّ في أجفانِهنَّ الطلَّ من

أنوار وجهكِ أدمعٌ تترقرق

ولهوتُ منكِ بذات خدرٍ زانَها

ثوبُ الشبابِ الغضّ لا الإستبرق

طوراً تعاطيني الحديثَ وتارةً

راحاً بها شملُ الهمومِ يفرَّق

قالت وقد عاقرتُها من كفِّها

صرفاً لها نورٌ يروقُ ورونق

ألها نظيرٌ قلت خلقُ محمَّدٍ

في لُطفِه منها أرقُّ وأورق

خلقٌ لأبلجَ غير معقودِ الندى

ديمُ الغمامِ غدت به تتخلَّق

عذُبت بفيه نعم فليس بغيرها

يلقى الذي من جُوده يسترزق

ويودّ أنَّ بكلِّ منبتِ شعرةٍ

منه بقول نعم لسانٌ ينطق

أثرى من الحسب الكريم وكلّ مَن

أثرى بلا حسبٍ مقلٌّ مملق

فانظر لمن عُرُبُ القوافي في الورى

تُنشى وأبكارُ المعاني تخلق

ما فيهم إلاَّ محمَّد صالحٌ

بالمدح جيدُ علائهِ يتطوَّق

المستجارُ من الزمان بظلِّه

إن جاءَ يرعدُ بالخطوب ويبرق

والمستضاءُ بوجهه إن يدجُ من

دُهُمِ الحوادثِ ليلُهنَّ الأورق

ومسددُ الآراءِ أسهُم رأيه

غرضَ القضايا الغامضاتِ تطبّق

يقضانَ قد سبرت تجاربُ حزمه

غورَ الزمانِ بأيِّ فنٍّ يطرق

إن أبهمت يوماً مطالعُ شبهةٍ

عمياءَ فيها الحقُّ لا يتحقَّق

يغشى نُعاسُ الجهلِ تحت ظلامها

بصرَ القلوبِ المدركاتِ فتخفق

فعمودُ صبحِ بيانهِ بضيائِه

غسقَ العمى لذوي البصائر يفلِق

وإذا تحيَّرت العقولُ بمشكلٍ

صعبٍ مجال الوهم فيه ضيّق

جَمعَ العقولَ على الصوابِ بحجَّةٍ

فيها احتمالُ الريبِ لا يتطرَّق

فمن السكينةِ والوقارِ سكوتهُ

وله المقالُ الفصلُ ساعةَ ينطق

وعُلاؤه الآفاقُ ضِقنَ بعظمها

وبعظمِ معجزه البسيطةُ أضيق

إمَّا أقامَ فمنه طرفُ الناس في

إنسان عينِ زمانِهم تتعلّق

وبأيّ أرضٍ قد سرى ففعاله

عن أهلها عين الحوادثِ تَطبِق

فالناسُ في جدواه شخصٌ واحدٌ

وبمدحه الدنيا جميعاً تنطق

ونداه لو سكتوا لنوَّه باسمه

إنَّ الندى لهو الخطيبُ المفلق

وإذا ترادفتِ المُحولُ تشعَّبت

منه غمائمُ للبلاد تطبّق

وغدا يرفُّ على البريَّة ظلُّها

وبريّق النعماءِ فيهم تغدق

حتَّى تمجُّ الأرضُ ماءَ نعيمها

ريَّا وبالعشب الثرى يتشقَّق

فتبيتُ حاليةً بوشي ربيعها

ولساكنيها العيشُ غضًّا يونق

مننٌ تفوت الواصفينَ وإنَّما

وصفُ الأنامِ ببعضها يستغرق

وإذا انتمى فلدوحة الشرف التي

تنمو على مرِّ الزمانِ وتورق

وشجت قديماً سارياتُ عروقها

حيث المجرَّةُ نهرُها يتدفَّق

فأصولُها فوقَ السما وفروعُها

شرفاً إلى مالا نهايةَ تبسق

وطريفُ علياهُ يُريكَ تليدَها

فمن المكذِّبُ والطريفُ مصدّق

لا كالذي بينَ البريَّةِ أصلُه

خبرٌ على عَلِكِ اللسان يُلفَّق

مَلِكٌ على أُولى الزمانِ قبيلهُ

بذوائب الشرف الرفيع تعلَّقوا

طلبوا سماءَ المجد فابتدرت بهم

تسمو قُدامى عزِّهم وتحلِّق

حتَّى ارتقوا أفلاكها وغدا لهم

دون البريَّة غربُها والمشرق

وإلى انقطاعِ الدهرِ فخرُ علاهم

أبداً بهالتها الرفيعة محدق

فكفاهم فخراً بأنَّ عشيرَهم

فيه وفي عبد الكريم معرّق

فهما معاً كفَّا نداً وُصِلا بِهم

وهُمُ لتاج العزّ قدماً مِفرق

فرعا عُلاهم في حديقةِ مجدهم

ما أثمراه طيّبٌ مستوسق

ضربا بعرقٍ واحدٍ في طينةٍ

هي من سواها في المكارم أسبق

مَثَلانِ كلّ منهما ما برّزا

في السبقِ رهنَ ذوي المعالي يغلق

كالعين تبلغُ اختُها الشأوَ الذي

بلغته إن كلٌّ إليه تحدّق

يا نيّري فلكِ المعالي مَن غدا

لهما بكلّ سماءِ مجدٍ مَشرِق

قرَّت بانسانيهما عيناكما

وعلى القذى أغضى الحسودُ المحنق

فلقد تباشرتِ النفوسُ بأوبة ال

هادي وجُمَّع أنسُها المتفرّق

وسما المكارِم أشرقت لمَّا بدا

نورُ الحسينِ بأُفقها يتألَّق

قَدِما معاً والسعدُ طائرُ يُمنِه

غَرِدٌ يرفُّ عليهما ويرنّق

ولئن تشوّقت البلادُ إليهما

فإِلى لقائِهما المعالي أشوق

لا مسَّ أيدي الرامياتِ إلى مِنًى

نَصَبٌ ولا منها عُقِرنَ الأسوُق

فلكعبة البيت الحرام بكعبتي

أملِ العفاةِ سرت خفائف تُعنِق

وبثقل أجرهما ثقيلاتُ الخطا

صدرت كأَنَّ لها الرواسي أوسق

المُحرِمَينِ وإن أحلاّ دائماً

زهداً بما تهوى النفوسُ وتعشق

فكأَنَّ كلَّ مقامٍ احتلاّ به

حرمٌ وحجٌّ كلَّ يومٍ يُخلق

والركنُ يشهدُ أنَّ كفهما التي

استلمَته لا إثمٌ بها متعلّق

نحرا غداةَ النَفر هدياً قال لم

يُقبل سوايَ لوَ انَّ هدياً ينطق

وسرينَ من حرم الإِله جوانحاً

بهما إلى حرم النبيّ الأينق

بيتٌ لو البيتُ استطاعَ لجاءهُ

بالركنِ يسعى سعيَ مَن يتملّق

فالدهرُ فيه محرّمٌ فمقصِّرٌ

والفخرُ فيه طائفٌ فمحلِّق

عكفا به يتمسَّكانِ فناشقٌ

لَثمَ الضريحَ ولاثمٌ يتنشَّق

واستقبلا حرمَ الوصيِّ وإنَّه

حرمُ الإِله به الملائكُ تحدِق

وحمًى يُجيرُ من السعير لأنَّه

نفحاتُ عفو الله منه تعبِق

فاستشفعا لله فيه ويمّما

نادٍ بغير العزِّ ليسَ يُروَّق

رُفِعت بأعلا الكرخ منه سُرادقٌ

بعلائِها العيّوق لا يتعلّق

جمعَ الصلاحَ على التُقى أطرافهُ

وغدا لواءُ الفخرِ فيه يخفق

فلتلبس الزوراءُ حلَّة زهوِها

فالعيشُ رغدٌ والهنا نُستوسِق

أوما ترى كأسَ المسرَّة تُجتلى

لعشيرة الشرفِ الرفيعِ وتُدهَق

عقدوا النديَّ وللوفاءِ محبُّهم

يُنشي المديحَ مُهنياً وينمّق

والزهرُ من أبنائهم ما بينَها ال

ندبُ الرِضا في خُلقه تتخلَّق

قد أحدقت منهُ بأزهدِها كما

تُمسي بأزهرها الكواكبُ تحدق

تسمو لواحظُهم إليه مُطرِقاً

وإذا سمت منه اللواحظُ تُطرِق

لو أنصفته الكاشحون بنعله

لتتوجوا وبشسعِها لتمنطقوا

عبِقت شمائلهُ فما رَيَّا الصَبا

ممطورةَ الأنفاسِ منها أعبق

وجلت محيَّا الدهرِ بهجةُ وجهه

فارتدَّ وهو من النضارة مُشرِق

وجهٌ يلوحُ عليه عنوانُ النُهى

ويروق فيه من الطلاقةِ رَونَق

ومن الخلالِ الصالحاتِ قد احتوى

مجموعَ ما هو في الورى مُتفرّق

فبعزِّه صرفُ الزمانِ مقيدٌ

وبجوده جودُ العفاةِ مطوّق

أمراهنيه في الفخار وراءَكم

عمَّن إذ ابتدرَ المدى لا يُلحق

ودعوا الندى فله محمَّدُ جعفرٌ

يسقي رياضَ المكرماتِ فتورِق

ضرغامُ هيجاءٍ إذا ذُكر اسمه

في يوم روعٍ للجموع تفرَّقوا

خُلِقت أنامل راحتيه أبحراً

يروي بها طوراً وطوراً يغرِق

نشأت لهنَّ غمائم بين الورى

عشرٌ بوارقها تضيء وتحرق

في السلم وابلُها النُضار وإنَّما

في الحرب وابلُها دمٌ يتدفَّق

ولها تبسمهُ بريقٌ في الندى

وبسيفه يومَ الكريهة تَبرُق

لو قيلَ يومَ الروع من تِربُ الوغى

لأشارَ من بُعدٍ إليه الفيلق

أو قيلَ أيُّ الناسِ أسبقُ للندى

قلنا محمدٌ الجواد الأسبقُ

لججٌ أسرَّةُ راحتيه ووجهُه

منه سهيلٌ طالعٌ يتألَّق

فاعجب لأنضاء الوفود وأُنسها

بسناه إن وردت وليست تفرقُ

ملأَ الزمان فواضلاً وفضائلاً

بهما يكلُّ من الفصيح المَنطِق

يا مَن رباعُهم غدت مملوَّةً

بالوفد من كلِّ الأماكنِ تُطرق

فتحوا لهم بابَ السماحِ بهنَّ في

زمنٍ به بابُ السماحةِ مُغلق

قد زفَّ فكري من عقائِله لكم

عذراءَ ليس لغيركم تتشوّق

أضحت بجيب الدهرِ جَونَة عنبر

في نشر ذكركم تضوعُ وتعبق

جاءَت كما اقترحَ الوفاءُ وإن يكن

كثرُ القصيدُ فغيرُها لا يُعشق

وترى الوفا نفسُ الكريم لأهله

فرضاً ولو بأَدائه هي تزهق

وتمجُّه نفسُ اللئيم ولو لَها

ما دُمتَ بالعسل المصفّى تُلعِق

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن حيدر الحلي

avatar

حيدر الحلي حساب موثق

العراق

poet-haidar-alheli@

283

قصيدة

549

متابعين

حيدر بن سليمان بن داود الحلي الحسيني. شاعر أهل البيت في العراق. مولده ووفاته في الحلة، ودفن في النجف. مات أبوه وهو طفل فنشأ في حجر عمه مهدي بن داود. ...

المزيد عن حيدر الحلي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة