الديوان » لبنان » المفتي عبداللطيف فتح الله » البرق يلمع بين الدر والشنب

عدد الابيات : 97

طباعة

البَرقُ يَلمَعُ بَينَ الدّرِّ وَالشّنَب

في ثَغرِهِ الجَوهَرِيِّ الأَلعَسِ الشّنِبِ

يَفتَرُّ عَن جَوهَرٍ مِن لُؤلُؤٍ يققٍ

وَمِن عقيقٍ وَياقوتٍ وَعَن حببِ

وَعَن زُلالٍ وَعن مسكٍ وَعن بردٍ

وَعَن أَقاحٍ وَعَن خمرٍ وَعَن ضَرَبِ

في ثَغرِهِ الدُّرّ في الياقوتِ مُنغَرِس

غَرسَ الجَواهرِ في الإِبريزِ وَالذّهَبِ

وَنَكهَةُ المِسكِ مِن ذا الثَّغرِ مُسكِرة

فَلَم تَدع صاحِياً في العُجمِ وَالعَربِ

فَالريقُ راحٌ حلالٌ سَعد راشِفها

تَشفي القُلوبَ مِنَ الآلامِ وَالوصَبِ

يَزدادُ في رَشفِها خدنُ الهَوى وَلهاً

مثلَ الهَواءِ يَزيدُ النّارَ في اللَّهَبِ

مَن ذاقَها صَبرُهُ عَنها فَمُنعَدِم

وَكُلَّما ذاقَ لَجَّ الذّوق في الطّلَبِ

وَنعمت الرّاح بِنت الثَّغرِ رائِقة

وَبئِست الرّاح بنت الكاسِ وَالعنبِ

يُديرُها ضِمنَ كاسِ الثَّغرِ جارِية

بَدرٌ مِنَ الحُسنِ لَم يَنقص وَلَم يَغِبِ

فَتُسكِرُ النّاسَ بِالأَرواحِ لاعِبَة

بِالرَّقصِ وَالوجدِ وَالتهيامِ وَالطربِ

ظَبيٌ مِنَ الحُسنِ ما أَحلى شَمائِله

لَو شابَ عاشِقها فَالعِشقُ لَم يَشِبِ

يَصطادُ أُسدَ الشّرى في حُسنِ طَلعَتِهِ

فَلا مَحيصَ لَهم مِنهُ إِلى الهَرَبِ

عَلقتهُ وَهوَ خِشفٌ مِن تَلفُّتِهِ

فَقدتُ قَلبي وَمِنّي العقلُ فيهِ سُبِي

وَذابَ في عِشقِهِ قَلبي هَوىً وَجَوىً

وَالقَلبُ لَولا الهّوى وَاللَّه لَم يذبِ

وَالعشقُ يَأكلُ في الأَحشاءِ مِن حرق

كَالنّارِ تَأكُلُ بِالإِحراقِ في الحَطَبِ

حَوى ثَلاثَ مِياه لا نَظيرَ لَها

هِيَ المَحاسِنُ عِندَ العُجمِ وَالعَرَبِ

ماءُ الحَياءِ وَماءُ الحُسنِ ثمّ كَذا

ماءُ الحَياةِ بِفيهِ المُبْرئِ الوصِبِ

شَمس مِنَ الحُسنِ في أُفقِ الجَمالِ بَدت

لَكِن مِنَ الحسنِ لَم تكسَف وَلَم تَغِبِ

يا حُسنَ جَبهَتِهِ مِن تَحتِ طُرَّتِهِ

وَالنّورُ يَلمَعُ مِنها غَيرَ مُحتَجِبِ

بَدرٌ لَقَد حجبتهُ اللّيل هالَته

لَكِنّها قَد بَدَت مِن أَلطَفِ الحجبِ

وَوَجنَةُ الخدِّ إِذ تَعلوه زاهِيَة

حَمّالة الوردِ قَد تَعلو أَبا لَهَبِ

وَفَوقَ وَجنَةِ الأَهدابِ مِن وَطف

أَكمام وَردٍ بِلا شكٍّ وَلا ريبِ

وَما العِذارُ سِوى سَطرٍ بِوَجنَتِهِ

مِنَ الزُّمرُّدِ في الياقوتِ مكتتبِ

وَإِنّما الخالُ إِذ يَبدو بِوَجنَتِهِ

قيراطُ مِسكٍ على الدّينارِ مِن ذَهبِ

وَعَقرب الصّدغِ كَم صبٍّ زَبانَتُها

في العِشقِ مِن لَدغِها أَلقَته لِلعَطبِ

وَلَحظه الأَحور المَكحول في دَعَجٍ

لَقَد بَدا عَجباً ناهيكَ عَن عَجَبِ

لِلرَميِ سَهمٌ وَللتفتيكِ في مُهجٍ

سَيف وَلِلعَقلِ سحر غَير مُحتَجِبِ

كَم بَينَ جدٍّ وَمَزحٍ قَد أَراقَ دَماً

وَأَذهَبَ الرّوحَ بَينَ الجدِّ وَاللّعبِ

وَسْنانُ يَغزِلُ مِن خَمرِ الكرى ثَمِلاً

ثَوبَ النّحولِ لِجِسمِ الصَّبِّ والوَصِبِ

وَقَدّه الغُصن مَيَّاساً عَلى نَسَقٍ

في مَيسِ ذي طَرَبٍ لا مَيسِ مُضطَرِبِ

فَقُلتُ صِلني فَإِنّ الهَجرَ أَتلَفَني

وَهَل لِهَجرك يا مَولايَ مِن سَبَبِ

فَقالَ وَصلي حَرامٌ لا أُحلِّلهُ

وَالهجرُ يُندب إِنْ لَو كانَ لَم يجبِ

فَقُلتُ شَرعُ الهَوى إِن كانَ حَرَّمَهُ

يا ضَيعَةَ العمرِ لَم أبلغ بِهِ أَربي

وَإِن يَكُن في الهَوى وَصلي المحرّم يا

دَوام خَلطي بِه شَعبان في رَجَبِ

فَثبّتِ اللَّه في قَلبي تَصبُّرَه

لا شَيءَ كالصّبرِ في أَحشاءِ مُكتَئِبِ

وَدمت وَجداً بِنارِ العِشقِ مُلتَهِباً

لا بَرَّدَ اللَّه مِنها قَلبَ مُلتَهِبِ

وَلا أَزالُ أَهيمُ الدّهرَ في وَلَهٍ

أَجوبُ قَفرَ الفَيافي جَوبَ مُغتَرِبِ

وَأَمتَطي أَدهم اللّيلِ البهيمِ دُجى

وَلا أُريح بِهِ مِن رَكبهِ رَكبي

أُسامِرُ النّجمَ طولَ اللّيلِ ذا سَهَرٍ

وَلَيسَ يَدري الّذي أَلقاهُ مِن كربِ

أَتلو عَليهِ حَديثَ الوَجد متَّصلاً

مِنَ الصّحيحِ بِلا وَضعٍ وَلا كَذبِ

حتّى أَرى دَولَةَ الإِصباح قَد ظَهَرت

تُمحى بِها دَولة الظّلماءِ وَالشّهبِ

وَتَطلع الشّمسُ في أَسنى مَطالعِها

طُلوعَ شَمسِ العُلى في أَرفَعِ الرّتَبِ

مِن ذَروَةِ المَجدِ فَوقَ العِزِّ في شرف

في جَبهَةِ السّعدِ مِن بُرجِ العُلى الرَّحبِ

في حُلَّةِ الفَضلِ وَالمَعروفِ في أَدبٍ

وَحلية المَجدِ وَالعَلياءِ وَالحَسَبِ

في زينَةِ الحُسنِ في خَلْقٍ وَفي خُلُقٍ

بِرِقَّةِ الطّبعِ مَع لُطفٍ وَمَع أَدَبِ

بِأعرض الجاهِ حَسن الحلمِ صاحَبَهُ

يا نَفعَ جاهٍ بِحُسنِ الحلمِ مُصطحبِ

في رِفعَةِ القَدرِ وَالعَلياء تَخدِمُها

وَغايَة الفَخرِ في نَفسٍ وَفي نَسبِ

رَأس الأَماجِدِ مَن قَد يطرِقون لَهُ

مِنهُم رُؤوساً تدقّ الدّهرَ في السّحبِ

مَن كانَ في غَيرِهِ بِالمَجدِ مَثَّله

فَلَيسَ يَفرق بَينَ الرّأسِ وَالذّنَبِ

في مِثلِهِ فَخرُ آباءٍ كَذا نَشب

وَالغَيرُ يَفخَرُ بِالآباءِ وَالنّشبِ

إِنْ فَخّموا فَخرَ مَولودٍ بِوالِدِهِ

فَأَفخَمُ الفخرِ بِالأَولادِ فَخرُ أَبِ

وَإِن تَأَخَّر عَن أَهلٍ لَهُ سَبَقوا

وَأَسّسوا المَجدَ فَوقَ الشّمسِ وَالشّهبِ

وَاللَّهُ فَضَّلَهُ فيهِم فَلا عَجَبٌ

فَكَم تَقَدَّم خَير الأَنبياءِ نَبي

لا بِدعَ إِن كانَ مِنهم وَهوَ يَفضُلُهم

فَإِنَّما السكَّر الحالي مِنَ القَصَبِ

وَإِنَّه عِزُّ أَبناءِ العُلى شَرَفاً

وَمَجدهم في ذَوي الأَقلامِ وَالقُضُبِ

وَفَخرُهم في ذَوي الأَنسابِ في نَسَبٍ

وَتاجُهم في ذَوي الأَحسابِ بِالحَسَبِ

لَقَد دَعَتهُ المَعالي بِاِبنِ نَجدَتِها

فَفاقَ كِسرى وَمَن ضاهى أَبا كربِ

وَصَيّرتهُ المَعالي بَدرَ مَوكِبِها

فَحَلَّ وَهوَ عَلِيٌّ أَشرَفُ الرّتَبِ

فَتىً وَلا كَعليٍّ في الأنامِ فَتى

لَهُ المُروءَةُ كانَت خَيرَ مُنتَسبِ

نورُ الشّجاعَةِ يَبدو فَوقَ جَبهَتِهِ

فَتُبصِرُ الأُسدُ مِنهُ ظلمَةَ الكرَبِ

فَإِنْ يَذوقوهُ في لَمحٍ وَلَو وَهماً

ذَاقوا الرّدى غبّ ذَوق الخوفِ وَالرَّهبِ

لَيثُ الجِلادِ وَضِرغامُ الوغى بَطَلٌ

تَشمُّ مِنهُ دَواماً نَفحَة الرُّعُبِ

في كُلّ مَنبتِ شَعرٍ مِنهُ قَسورة

كَأَنّهُ الأسدُ في غابٍ مِنَ الهضبِ

مَن ثَمَّ لَو شامَهُ الأَعداءُ مُنفَرِداً

شاموهُ وَاللَّه مِثلَ الجَحفَلِ اللّجبِ

لَيثُ الشّرى حِصنُ عكّار وَنَجدَتها

مَن يَرمِها بِسِهامِ السّوءِ لَم يصبِ

فَهَل تَرومُ الأَعادي أَخذَها وَهَماً

وَسورها مُبتنٍ بِاللّدنِ وَالقُضُبِ

بَل سورُها الأَعظَمُ العالي على أَطمٍ

صيت الهِزَبرِ عَليّ القدرِ وَالرّتَبِ

قِرمٌ إِذا نازَلَ الأَقرانَ هِمّتهُ

يَوم النّزالِ بِسَلبِ الرّوحِ لا السَّلبِ

يَسطو بِرمحٍ تقطُّ العمرَ حربتُهُ

فَلَم تَدَع عمرَ عاتٍ غيرَ مقتضبِ

بِالرّمحِ يَحلِبُ مِن ثَدي العداةِ دَماً

فَيَرجِعُ الرّمحُ رَيّاناً مِنَ الحلَبِ

يَسطو بِسَيفٍ تُذيبُ الرّوح برقتُه

وَتَسلِبُ الرّوحَ مِن أَحشاءِ منسلِبِ

تَرى رِقابَ الأَعادي حينَ يَضرِبها

مِن تَحتِ هِنديِّهِ الإِصليتِ كَالزّغبِ

يَبكي رِقابَ العِدى المُرجانُ مُنسَكِباً

يا حُسنَ دَمعٍ مِنَ الأَعناقِ مُنسَكِبِ

كَم زَيَّن القَومُ في حُمرِ الثّيابِ كَما

حَلّى نِساءَهُم بِالنيل والسُّلُبِ

وَقُمنَ يَرقُصنَ في ضَربٍ عَلى ركب

وَشَقِّ جَيبٍ وَقَد غنَّيْنَ بالصخبِ

وَصِرنَ يَنثُرنَ مِن أَجفانِها دُررا

قَد أَغنَتِ الأَرضَ عَن وَبلٍ مِنَ الهضبِ

في حَربِهِ اِنقَلَبُ الأَعداءُ مُنقَلباً

ساءَ اِنقِلاباً بِسوقِ الحَرْبِ وَالحَرَبِ

لِلوَحشِ لَحمُهمُ لِلطّيرِ أَعيُنهم

نَعم وَأَعظُمهُم لِلنّارِ كَالحَطَبِ

بَحرُ النَّدى وَالسّخا مِن رَشحِ راحَتِهِ

تَضيقُ عَنهُ صُدورُ الصّحفِ وَالكتبِ

مَن لَيسَ تَفتُرُ مِنهُ الدّهرَ لَهجتُه

عَن أَمرِ خازِنِهِ اِنحَل وَأعطِ هَبِ

لا عَيبَ فيهِ سِوى حبّ العَطا كَرماً

وَبُغضه لِاِختِزانِ المالِ وَالنّشبِ

يَسطو عَليهِ وَبِالإِعطاءِ يتلفهُ

فَلا عَلى فِضّةٍ يُبقي وَلا ذَهَبِ

وَلا عَلى غَيرِ ذا ممّا تَمَلّكهُ

لَو يَملِك الرّوحَ أَعطاها بِلا طَلَبِ

إِن كانَ حاتم طَيٍّ قَد غَدا مَثلاً

وَمَن مَضى مثلهُ في سالِفِ الحقبِ

فَجودُهم جودُ هَذا البحرِ ناسِخهُ

كَنَسخِ شِرعةِ طهَ شَرع كُلِّ نَبي

يا أَيّها السيّدُ المَسعودُ طالِعُهُ

لا زَالَ بَدرُ عُلاه الدّهرَ لَم يجبِ

يا ذا الوَقارِ وَمَنْ مِنْ فَرطِ هَيبَتِهِ

لَدَيهِ أُسد الشّرى تَجثو عَلى الرّكبِ

بَل لا تَزالُ عَلى الأَقدامِ واقِفَةً

لَديهِ حتَّى وَلَو ملَّت مِنَ التّعَبِ

إِلَيك غانِية خوداً مُخدَّرة

في خدرِ حُسنٍ عَلى التّرصينِ مُنتَصِبِ

يَتيمة وَأَبوها الحُسن يَحضِنُها

حَسناء عَذراء لَم تُطمَث وَلم تُصَبِ

غَيداء بِكر عَروس مِن بَلاغَتها

تَتيهُ حُسناً عَلى أَترابِها العُرُبِ

طابَت بِمَدحِكَ وَهوَ المِسكُ ضَمَّخها

لَولا التّضمُّخ مِن ذا المِسكِ لَم تَطِبِ

هَبها القَبولَ أَخا العَلياءِ مُبتَسِماً

إِنّ اِبتَسامَكَ عَنها رافِع الحُجبِ

وَاِسلَم وَدُم بِالهَنا في حُسنِ عافِيَةٍ

سَليمَ جِسمٍ مِنَ الأَوصابِ وَالنّصبِ

ما اِهتَزَّ غُصنٌ وَما الوَرقاءُ قَد خَطَبت

فَوقَ الغصونِ فَأَبدت أَحسَن الخطَبِ

ما لاحَ نَجمٌ وَما شَمسٌ لَقَد طَلَعَت

ما البَرقُ يَلمَعُ بَينَ الدّرِّ والشنَبِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن المفتي عبداللطيف فتح الله

avatar

المفتي عبداللطيف فتح الله حساب موثق

لبنان

poet-Mufti-Fathallah@

1294

قصيدة

3

الاقتباسات

91

متابعين

عبد اللطيف بن علي فتح الله. أديب من أهل بيروت، تولى القضاء والإفتاء. له نظم جيد في (ديوان -ط) و(مقامات -خ)، و(مجموعة شعرية -خ) بخطه، ألقاها في صباه سنة 1200ه‍في ...

المزيد عن المفتي عبداللطيف فتح الله

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة