الديوان » لبنان » المفتي عبداللطيف فتح الله » قم ساهر الليل بين البدر والزهر

عدد الابيات : 83

طباعة

قُم ساهِرِ اللّيلَ بَينَ البدرِ والزُّهرِ

وَشاهِدِ الرّوضَ بَينَ النّهرِ والزّهَرِ

أَما تَرى البدرَ أَهدى مِن أَشعّتِهِ

لِلرّوضِ فسطاسَ نورٍ خاطفَ البصَرِ

وَأَنّه خِدرُ بلّورٍ بِهِ اِتّزَرَت

عَرائِسُ الرّوضِ لَم يحجب لمتّزِرِ

وَالرّيحُ تَلعَبُ بِالأَزهارِ حينَئذٍ

فَيَرقُصُ النّور رَقصَ الغيدِ في السحَرِ

وَالزّهرُ مِنهُ العُيون النُّجل قَد نَعِست

يُخفي وَيُظهِرُ ما فيها من الحوَرِ

وَالبدرُ ثمّ الثريّا حَيثُ قارَنَها

صَحنُ النُّضارِ لَدى العُنقودِ مِن دُرَرِ

وَالنّهرُ يَنزِلُ مِن عالٍ لِمُنحدر

يُقهقهُ الثغرُ في عالٍ ومنحدرِ

يَموجُ وَهوَ زُلالٌ كاللُّجينِ عَلى

تُربٍ مِنَ المِسكِ ذاكي الطيبِ وَالذّفَرِ

وَالبدرُ مِن نورِهِ يَكسوهُ ثَوب ضِيا

فَيَخطِفُ العَقلَ بَعدَ الفِكرِ وَالنّظرِ

وَالبدرُ صورَتُهُ فيهِ قَدِ اِنطَبَعت

وَالنورُ مُتّصِلٌ مِنها إِلى القَمَرِ

فَخِلتُ بَدرَين في أَرضٍ وفي فَلكٍ

بَدر السَّماءِ وَهَذا البدرُ في النَّهَرِ

وَالنّورُ بَينَهُما إِذ كانَ مُتّصلاً

لَم أَدرِهِ صاحِبَهُ يا حَيرَةَ الفِكَرِ

وَالنّورُ قَد ماجَ حَيثُ الماءُ ماجَ بِهِ

كَالزَّهرِ ماجَ بِمَوجِ الرّيحِ بِالشّجرِ

يَمضي وَيَرجِعُ فَوراً في تَمَوُّجِهِ

وَالماءُ يَجري وَلا يَعروهُ مِن كَدَرِ

فَخِلتُهُ مِثلَ مِرآةٍ بِها اِرتَسَمت

شَمسُ الضّحى صورَة مِن أَحسَنِ الصّورِ

وَقَد تَحَرَّكَتِ المِرآةُ حينَئِذٍ

فَالضّوءُ يَمضي وَيَأتي آخِذ البصَرِ

وَالزّهرُ في الرّوضِ أَنواعٌ مُنَوَّعةٌ

مِن كلِّ ذاكٍ شَذاه طيِّبٌ عَطِرُ

مِن كلِّ غَضٍّ نَضيرٍ لا نَظيرَ لَهُ

وَكلّ زاهٍ بَهِيٍّ فاخِرٍ نَضرِ

وَمِن نُضارٍ وَياقوتٍ وَلُؤلُؤةٍ

ومن لُجَينٍ مَعَ العقيانِ مُفتخرِ

فَاِنظُر إِلى الوَردِ فيه وَهوَ مُنفَتِح

يُضيء لَيلاً ضِياءَ الأَنجُمِ الزُّهُرِ

كَأَنجُمِ الأُفقِ إِذ تَحمَرُّ مِن شَفَقٍ

وَوَجنَةِ الحورِ إِذ تَحمَرُّ من خفَرِ

وما تَشَقّقَ مِن أَزرارِهِ شفتا ال

حَبيبِ ضمّهما للّثْمِ حيث يري

وَالياسَمين كَأَحداقِ المَها حَوَراً

لَكِن لَها شَكلةٌ في ذَلِكَ الحَوَرِ

وَالنّرجِسُ الغضُّ في سوقِ الزّمرُّدِ كَم

يَميسُ تيهاً وَيُبدي غايَةَ الفخرِ

يَحكي قَناديل بِلَّورٍ تُضيء دُجىً

وَالنورُ في وَسطِها كَالنورِ في القَمرِ

وَالزّنبَقُ الزاهِ ما أَذكى رَوائِحَهُ

قَد فاقَ في الأَرضِ فيها سائر الزّهَرِ

كَأَنّهُ أَكْؤُسُ البِلّار دَاخِلها

ريشُ الطّواويسِ مِثلَ العَسجَدِ النّضرِ

أَمّا القُرُنفُلُ ما أَحلى شَمائِلهُ

بَينَ الأَزاهِرِ يَبدو خَيرَ مُعتَبِرِ

مِن أَحمرٍ فاخرٍ أَو أَبيَضٍ يَقق

قَد راقَ مَنظَرُهُ لِلنّفسِ وَالنّظرِ

تَخالُ أَبيَضَهُ في حُسنِ طَلعَتِهِ

كَكَوكَبِ الصّبحِ إِنْ لَو بانَ في السّحَرِ

كَأَنّ أَحمَرَهُ في الرّوضِ مبخرةً

قَد بَخَّرت لا بِعودٍ لا ولا شَرَرِ

أَمّا البنفسجُ إِذ يَزهو بِزُرقتهِ

فَيروزَجُ الصّبحِ إِذ يَبدو لِمنتظرِ

وَالبانُ يَهتَزّ في أَوراقِهِ طرَباً

مَخمورُ ميلِ الصَّبا كالشّارِبِ السّكِرِ

فَتائِلٌ صاغَها الرّحمَنُ مِن ذَهَبٍ

وَخاطَها اللَّهُ فَوقَ السّندُسُ الخضرِ

تَبارَك اللَّهُ مَولانا وَخالِقُنا

ما أَحسَنَ الرّوضَ في زَهْرٍ وفي زُهُرِ

فَلا مِثالَ لَهُ بَينَ الرّياضِ كَما

لا مثلَ للشّمسِ في بَدوٍ وفي حضرِ

شَمسُ العُلومِ إِمامُ الدّهر سيّدُنا

بَدرُ الكَمالِ وَنَجمُ المَجدِ وَالفخرِ

بَحرُ المَعارِفِ لَم تدرك سَواحلُهُ

بَرُّ المَكارِم سامي القدرِ وَالخَطَرِ

بَحرُ النّدى وَمَن رَأى مِن كَفِّهِ بَللاً

يَروحُ مُزدَرِياً لِلبحرِ وَالمَطرِ

العالِمُ الجَهبَذُ النّحريرُ قُدوتُنا

أُستَاذُنا الماجِدُ المَعروف خَيرُ سَري

العارِفُ الوَرعُ البَرُّ الجليلُ تُقى

الزّاهِدُ النّاسِكُ القَوّامُ في السّحَرِ

الصّالِحُ المُخلِصُ النّصّاح مَنْ نَفَعَت

فينا نَصائِحُهُ مِن جَهلِنا الخَطِرِ

ما إِن سَمِعنا بِتذكير مَواعظه

إِلّا وَمِنهُ اِكتَسَينا ثَوبَ معتبرِ

يَنهَى وَيَأمرُ بِالمَعروفِ مُحتسباً

بِلينِ قَولٍ لهُ التأثيرُ في الحجَرِ

فَلَست تَنظرُ وَالإِخلاصُ ديدَنُهُ

قَصداً سِوى مُنتَهٍ منّا وَمُؤتمرِ

لَم يَخشَ في اللَّه يَوماً لَومَ لائمِهِ

وَمَن يَخَف رَبَّهُ لَم يَخشَ من بشَرِ

صَفَت طَوِيَّتُه طابَت سَريرتُه

أَجَلْ وَسيرَتُه مِن أَحسَنِ السّيَرِ

نَجمُ الشّريعَةِ بَل بَدرُ الطّريقَةِ بَل

شَمسُ الحَقيقَةِ بِالعِرفانِ خيرُ حَري

سَعدُ البيانِ وَفي التّحقيقِ سَيّدُه

وَمالكُ الفِقه بِالتّفسيرِ وَالأَثَرِ

مُحيي المَدارِس بِالتّدريسِ إِذ دَرَست

وَمَن بِهِ الدّينُ أَضحى خَيرَ مُنتَصِرِ

مُؤيِّد السُّنّةِ الغَرَّاءِ لا بَرِحَتْ

بِمِثلِهِ غُرَّةٌ مِن أَجمَلِ الغُرَرِ

فَاِلزَمْ مَجالِسَه تُمنحْ نفائسَه

فَإِنَّ صُحبتَه نَفعٌ بِلا ضَرَرِ

الحاذِقُ الفارِهُ الفَذُّ الرّفيعُ ذكا

فَزَنْدُه حيثُ أوراهُ كانَ يري

الأَلمَعِيُّ الأَديبُ المُعتلي أَدَباً

اللّوْذَعيُّ الأَريبُ السالِمُ الفِكَرِ

البارِعُ المُغرِبُ الباني بَلاغَتَهُ

مِن كلِّ مُختَرِعِ المَعنى وَمُبتَكِرِ

مِن كلِّ ذي حِكمَةٍ قَد أُحكِمَت وَغَدَت

أَلَذَّ لِلسّمعِ من نايٍ وَمِن وَترِ

مِن كلِّ نادِرَةٍ أَضحَت كَواسِطةٍ

في العِقدِ مُنتَظِماً مِن أَفخَرِ الدُّررِ

تَعلو فَصاحَتُهُ تَعلو بَلاغَتُهُ

في حُسنِ مُنتَظِمٍ مِنهُ وَمُنتَثِرِ

رَبُّ الفَواضِلِ ما أَسنى شمائِلَه

خِدْنُ الفَضائِلِ مِن بادٍ وَمُستَتِرِ

يَتيمَةُ الدّهرِ صِينَتْ عَن مُماثِلها

فريدةُ الوَقتِ بَينَ النّاسِ وَالبشَرِ

فَأَنجُمُ الفَضلِ في ذا العَصرِ لَو طَلَعَت

لَكانَ فيها مَحلَّ الشَّمسِ وَالقَمَرِ

رَبُّ المَعالي الّتي أَربَت مَراتِبها

عَلى السّهى وَاِرتَدَتْ بِالمَجدِ وَالفخرِ

أَخو الوَقارِ بِهِ التوقيرُ مُقترنٌ

وَبِالمَهابَةِ أَضحى خَيرَ مُتّزرِ

نَتيجَةُ الدّهرِ مِن شَكلِ الكَمالِ بَدَت

صَحيحَةُ النتجِ في فكرٍ وفي نَظَرِ

شَيخي المَسيرِيِّ مَنْ شاعَت مَناقِبُهُ

في حُسنِ صيتٍ بِأَسنى الحَمدِ مُنتَشرِ

نَجلُ الكَمالاتِ وَالاِسكَندرِيْ بَلداً

مُحمّدُ ذو الكَمالِ الفاخِرِ الخطرِ

طَلْقُ المُحيّا ضَحوكُ الثّغرِ باسِمُه

أَخو البَشاشَةِ في مُكثٍ وَفي سَفرِ

ما لي بِأَوصافِهِ الحسنى أُعرِّفُه

إِلّا الإِطالةُ في تَعريفِ مُشتَهِرِ

فَهاكَ مَولايَ بِكراً لا نَظيرَ لها

في الحسنِ وَالكَيْسِ في عينٍ وفي أَثرِ

غَيداءَ غانِيَةً هَيفاءَ مائِسَةً

حَسناءَ طالِعةً كَالشَّمسِ وَالقَمرِ

وَليدَةُ فِكر اِمرِئٍ خانَتهُ فِكرَتُهُ

فَلَيسَ يفرُق بَينَ الشِّعرِ وَالشَّعرِ

جاءَتكَ جارِيَةً كَفَّيك لاثِمَةً

وَفيك فاخِرَةً تَزدانُ بِالفَخرِ

طالَت وَقَد قَصّرت في مَدحِ سَيِّدها

يا خَجلَتي وَهوَ ذات الطولِ وَالقصرِ

كَبيرةٌ حَيثُ في تِمداحِكَ اِتَّشَحت

لَولاهُ كانَت ترى في غايَةِ الصِّغَرِ

وَكَم حَقيرٍ حَوى في غَيرِهِ عظماً

وَذاكَ في نَفسِهِ مِن جِنسِ محتقرِ

أَهدَيتُها لَكَ بَحرَ العِلمِ جَوهَرةً

وَكُنتُ فيها كَمُهدي البحرِ بِالدّررِ

تُثني عَلَيكَ بِأَنواعِ الثّناءِ كَما

تُثني الرّياضُ عَلى الأَمطارِ بِالزّهَرِ

في طيبِ مَدحِكَ قَد أَضحى تَمسُّكُها

فَضَمّختنا بِأَذكى مِسكِهِ العَطِرِ

تَرجو القَبولَ وفيه جَبرُ خاطِرِها

وَعَن قُصورِيَ تُبدي عُذرَ مُعتَذِرِ

لا تَكسرَنَّ أَخا الإِحسانِ خاطِرها

فَشَأنُ مِثلِكَ يَبدو جَبرَ مُنكَسِرِ

وَاِسلَم وَدُم بِالهَنا وَالعِزِّ مَع شَرفٍ

بِسُؤددٍ دونَهُ عَلياءُ كُلِّ سَري

ما لاحَ بَرقٌ وَما هَبّت نَسيم صباً

وَغَرَّدَ الطّيرُ في الآصالِ والبُكرِ

وَهامَ في حبّه وَجداً خَدينُ هوَى

وَساهرَ اللّيلَ بَينَ البدرِ والزُّهرِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن المفتي عبداللطيف فتح الله

avatar

المفتي عبداللطيف فتح الله حساب موثق

لبنان

poet-Mufti-Fathallah@

1294

قصيدة

3

الاقتباسات

91

متابعين

عبد اللطيف بن علي فتح الله. أديب من أهل بيروت، تولى القضاء والإفتاء. له نظم جيد في (ديوان -ط) و(مقامات -خ)، و(مجموعة شعرية -خ) بخطه، ألقاها في صباه سنة 1200ه‍في ...

المزيد عن المفتي عبداللطيف فتح الله

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة