حين سَرَتْ في الشارعِ الضَّوضاءْ واندفَعَتْ سيارةٌ مَجنونةُ السَّائقْ تطلقُ صوتَ بُوقِها الزاعقْ في كبدِ الأَشياءْ: تَفَزَّعَتْ حمامةٌ بيضاءْ (كانت على تمثالِ نهضةِ مصرْ.. تَحْلُمُ في استِرخاءْ) طارتْ, وحطَّتْ فوقَ قُبَّةِ الجامعةِ النُّحاسْ لاهثةً, تلتقط الأَنفاسْ وفجأةً: دندنتِ الساعه ودقتِ الأجراسْ فحلَّقتْ في الأُفْقِ.. مُرتاعهْ! أيتُها الحمامةُ التي استقرَّتْ فوقَ رأسِ الجسرْ (وعندما أدارَ شُرطيُّ المرورِ يَدَهُ.. ظنتُه ناطوراً.. يصدُّ الطَّيرْ فامتَلأتْ رعباً!) أيتها الحمامةُ التَّعبى: دُوري على قِبابِ هذه المدينةِ الحزينهْ وأنشِدي للموتِ فيها.. والأسى.. والذُّعرْ حتى نرى عندَ قُدومِ الفجرْ جناحَكِ المُلقى.. على قاعدةِ التّمثالِ في المدينهْ .. وتعرفين راحةَ السَّكينهْ! (2) ساق صناعية
في الفُندقِ الذي نزلتُ فِيه قبلَ عامْ شارَكَني الغُرفهْ فأغلقَ الشُّرفهْ وعَلَّقَ (السُّتْرَةَ) فوقَ المِشجبِ المُقَام وعندما رأى كتابَ (الحربِ والسلامْ) بين يديَّ: اربدَّ وجهُهُ.. ورفَّ جفنُه.. رفَّهْ فغالبَ الرَّجفهْ وقصَّ عن صَبِيَّةٍ طارحها الغَرامْ وكان عائداً من الحربِ.. بلا وسام فلم تُطِقْ.. ضَعْفَهْ ولم يجدْ حين صحا إلا بقايا الخمرِ والطَّعام! ثم روى حكايةً عن الدّمِ الحرامْ (.. الصحراءُ لم تُطِقْ رَشْفَهْ.. فظلَّ فيها, يشتكي ربيعهُ صَيْفَهْ..) وظلَّ يروي القصصَ الحزينةَ الخِتامْ حتى تلاشى وجهُهُ في سُحُب الدُّخانِ والكَلامْ وعندما تحشرجَ الصوتُ بِه, وطالتِ الوقْفهْ أدرتُ رأسي عنه.. حتى لا أرى دمعَتَه العَفَّهْ ومن خلايا جسدي: تفصَّدَ الحزنُ.. وبلَّل المسَامْ وحين ظنّ أنني أنام رأيته يخلعُ ساقهُ الصناعيةَ في الظَّلامْ مُصَعِّداً تنهيدةً قد أحرقَتْ جوفَهْ
(3) شتاء عاصف
كان (ترامُ الرَّمْلْ).. مُنْبَعِجاً, كامرأةٍ في اخرياتِ الحَمْلْ وكنتُ في الشّارعْ أرى شتاءَ (الغضبِ الساطعْ) يكتسحُ الأوراقَ والمعاطِفا وكانت الأحجارُ في سُكونِها الناصِعْ مغسولةً بالمطرِ الذي توقَّفَا وكانَ في المِذياعْ أغنيةٌ حزينةُ الإيقاعْ عن (ظالم لاقيتُ منه ما كفى..) قد (علَّموه كيف يجفو.. فجفا) جلسْتُ فوق الشاطىء اليابسْ وكان موجُ البَحرْ يصفعُ خدَّ الصخر وينطوي حيناً أمام وجهه العابسْ.. .. وترجِعُ الأمواجْ تنطحُه برأسِها المُهْتاجْ ودون أن تَكُفَّ عن صراعها اليائس..! ودون أن تكُفَّ عن صراعها اليائس..!