تعال وانظر! تعال وانظر إلى الأشجار: تحبسها الريح في قبو الشتاء تمزق ثيابها وتترك عريَها، مستوحشاً، يرجف لا الطير يجرء على زيارتها ولا النحل في جبهة حربِها الصامتة يهمس غصنٌ ذكيٌّ لآخر: تمهّلْ. "ليس هذا وقتَ الثمر أيها الأرعن" يطيعُ الغصن صاحبَهُ طاعةً كاملة، كاملةً كالفراغ. الأشجار تبدو قرى مقصوفةً هجرها سكّانها أخذوا معهم ألوانها وظلالها وتركوا حولها صعوباتٍ مدوّيةٍ: لا أحد يشاركها الأنين تحت لكمات الرعد وجلسات التعذيب بكهرباء البرق. وإهمال المارّة تعال وانظر لأن كثيرينَ لا ينظرون إلى حقلٍ يكسوه اللاشيء لأن العظيم لا يفسّرُ غموضه لأنها مثلنا تحارب تحالفاً من ثلوج الشمال وضباب الآلهة، وقلّة النصير، ولأن الاحتمالات مفتوحة علِّم قلبكَ كيف يثق بصمتها الأشجار التي بدت لك، مثلنا، ميتة كانت تحاول طوال الوقت، كانت تحاربُ طوال الوقت. وفي يوم معلوم، ولأنه لا شيءَ يخجل من أوانه، يهمس غصنٌ ذكيٌّ: "الآن. الآن أيتها الأغصان التي صبرت الآن أيتها الأغصان التي تحمّلت الآن أيها الرفاق" ** مملكةُ الأوراق تفتحُ أبوابَها للطير والنحل ونحن البشر نُهَيِّئُ السلال. وفي يومٍ معلوم يفتح أحدهم الستار: سلّةُ الفواكه التي تتوسّطُ المشهدَ المنزليّ تتوهّجُ كالنصر.
شاعر وكاتب فلسطيني، من مواليد مدينة رام الله عام 1944. تخرج البرغوثي في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بجامعة القاهرة عام 1967، ولم يتمكن من العودة إلى مدينته إلا بعد ذلك ...