* تقديم : "أيها الأعداء، شئٌ ما يثير الشك فيكم، ما الذي يجعلكم، في ذروة النصر علينا... خائفين؟!" *** "ولد" ولدٌ يقلق الوالدين. والٌد يكتم الإعتزازَ ووالدةٌ لا تبوح بما يخلع القلب حين يغيب الولدْ. ولدٌ ولهُ وَلَهٌ بالكتبْ ولدٌ وله ولعٌ باللعبْ. وحين تباغته نظرة الجد بالإرتيابِ يخادعه بالكذبْ. ناحلٌ، اجعد الشعر، في خده شامة وله شارب من زغبْ. ولدٌ، حين عادوا بجثته كان في صدره مخزنٌ من رصاص الجنودِ وفي عينه نظرة من عتبْ. ==== "غـمزة" غمزة من عينها في العُرس وانجنَّ الولد! وكأن الأهلَ والليلَ وأكتافَ الشبابِ المستعيذين من الأحزان بالدبكةِ والعمَّات والخالات والمختار صاروا لا أحدْ! وحدهُ اللوِّيحُ، في منديله يرتجُّ كل الليل والبنت التي خصَّتْهُ بالضوء المصفَّى أصبحت كل البلدْ.. مدّ يمناه على آخرها نفض المنديل مثنَى وثلاثَا ركَّب الجن على أكتافه ثم رماهم، وانحنى ركَّبَ الجنَّ على رُكبته ثم رماهم، واعتدل قَدَمٌ ثبَّتَها في الأرض لمحاً ورمى الأخرى إلى الأعلى كشاكوش وأرساها وتدْ. كلما أوشك أن يهوي على سحجة كف جاءه من سحبة الناي سندْ. يلقف العتمة كالشهوة من أعلى بروج الليل حتى ضوء عينيها تماماً يعرق الصدر وشعر الصدر من ميلاته يُمنَى ويُسرَى ثم يسري عرقُ الظهر عموديّاً تماماً وحياء القلب خلَّى كل ما في القلب يخفَى والقميصُ الأبيضُ المبتلُّ من أكتافه حتى حِزام الجلدِ خلَّى فقرات الظهر تُحصى بالعددْ. غمزة أخرى ولو متُّ هنا غمزة أخرى, ولو طال انتظاري للأبدْ! === " مقاطع من قصيدة الشهوات" شهوة لوجود الرجال الذين بنوا في المضافه بيت الكرم وبيت النكات اللئيمه بيت التهكم من كل عال قوي وبيت المساء الطويل بطول الجدال وأخبار كل البلاد كأن الحصيرةَ من تحتهمْ هيئةٌ للأُمَمْ ** شهوة لبلاد تطالب ابناءَها بأقل من الموت جيلاً فجيلا وفيها من الوقت وقتٌ نخصصه للخطايا الحميمه والغلط الادمي البسيط وزحزحةِ الافتراض البطوليِّ عنّا قليلا فمسكينةٌ أُمَّةٌ حين تحتاج كلَّ البطولات من كلِّ أبنائها وتعيش الحياةَ قتيلاً قتيلاً ** شهوةٌ لبلاد تقل الاناشيد فيها وفيها نعود إلى نمنمات احتياجاتنا العابرات بلا خجل أو ندم ** شهوة أن أردّ على الهاتف المتأخر ليلا بدون التوجس من كارثه ** شهوة أن أشب على سلَّمٍ شاهقٍ في أقاصي السماء واستأذن الله، اسألهُ هل رأتنا عيون الحبيب نميل كحزمة قمح من المنجل الملتوي للجفاف المؤكد للمطحنة؟ ** يا حبيب المحبين إنّا امتحنّا كثيرا وإنّا امتحنّا طويلا فرُحماك ياخالق الحاكمين وياخالق الناس ياخالق الوحش والسوسنه! ==== "قبائل" قبائلنا تستردّ مفاتنها: خيامٌ خيامْ. خيامٌ من الحجرِ المستريح، وأوتادها مرمرٌ أو رخام. نقوشٌ على السقف، والورق المخملي يغطّي الحوائط، والصور العائليّة و الجيوكاندا تحاذي حجاباً لردّ الحسود، بقرب شهادةِ إبنٍ تخرّج في الجامعة إطاراتها ذهبٌ يعتليه الغبار. خيامٌ، ونافذةٌ من زجاجِ هي الفخّ ترتعد الفتيات المطلاّت منهُ إذا ما الصغير وشى للكبار. بخارٌ من الشاي يصعدُ، صودا وويسكي، و... "لا أستسيغ النبيذ" و "معذرةً، هل نجحتَ مع الزوجةِ الرابعة"؟ خيامٌ خيامْ. تضيء الثريّاتُ فيها الأثاثَ الوثيرَ ويمرحُ فيها ذبابُ الكلامْ. وأبوابها من نحاسٍ تُجَرُّ عليه السلاسلْ قبائلنا تستردّ مفاتنها في زمانِ انقراض القبائل! === "مُنيف" في رثاء أخيه ======== ويموت منا من يموت، بموعدٍ أو صدفةٍ هي موعدٌ وكأننا نلهو ونلعبُ في كَمينْ مِنّا شهيدُ كهولةٍ أو غربةٍ أو قُبلةٍ في الظَّهرِ أو برصاصةٍ في الصدرِ أو بهمومنا المتعرجاتِ على الجبينْ مِنَّا شهيدُ اليأسِ حيث تشيخ وَلْدَنَةُ الصَّبا عند الصبيَّ وتنتهي آمالُ من ثاروا بثرثرة الحبيب مع العدوِّ وفي معانقةِ الضحايا للخصوم "الطيبينْ" منا شهيد كلامه وغرامِهِ وحروبه وسلامِه والخَيْرِ تحت قميصِهِ والشرِّ في أيامِهِ والمرءُ فلاَّحٌ يُثَلِّمُ حَقْلَهُ والموتُ مبذورٌ على أثلامِهِ وحصادُه قممُ الفكاهةُ والجنونْ وأخي شهيد جَماله وخصاله أناْ لم أجد رجلاً يعيش بقلب أمٍّ مِثْلَهُ! رجل رؤومْ فَتَكَتْ به لا كفُّ غادره الغليظةُ وحدَها بل رِقةٌ في النفس مُضْمَرةٌ وباديةٌ كَضَوْءِ فَراشةٍ غاصت بمخملِ وردةٍ فيبينُ جزءُ الجزءِ من كلتيهما ويظل ما يخفى خيالاً لا يبينْ وأخي شهيد خُصومة الروحِ الحريرِ مع الأنا وكأن فِطْرتَهُ ترى أن النعيم الآخرونْ وأخي شهيد جماله وخصالهِ وهو الحَنونُ بنُ الحَنونةِ والحَنونْ وهو الذي يرعى أباه، هشاشةً وترفُّقاً وكأن والِدَهُ جَنينْ وهو الذي ظلت أُمومتُهُ تُظَلِّلُ أُمَّهُ ليرى ابتسامتها، ويفزع أن يكون بثوب كنزتِها ولو خَيْطٌ حزينْ هو شاعرٌ والشِّعر ليس تبرجَ القاموسِ بل نفسٌ تعاف رثاثةً تغرِي بنا، هو شاعرٌ والشعر يجري في يديه بلا كلامْ الحبُّ فيه طبيعةٌ منذ الولادة مثلما تقضي الطبيعةُ أن رفرفةَ الجوانحِ في الحمامْ بغيابه حرقوا حديقة مكرمات كاملة والله إن قلنا له يَنْخاكَ محتاجٌ سأعجبُ كيف يمنعه الضريحُ من القيامْ! **** سأبوح يابن أبي ويا جدي الصغيرَ بأنَّ حزني فيكَ كان أقلّ من غضبي فمنذ فجيعة الإغريق لم يصعد إلى الأولمب مفجوعٌ كما بلدي كأنّ الكونَ مسرحُنا ستارته الشتات ولم أجد أحداً ليسدلَها علينا أو على الأعداءِ مذ جاء الذين رأتهمو أمي وزرقاءُ اليمامة والكُتُبْ وستهبط المأساة للملهاة ثانيةً ضحايا يضحكون على الضحايا والدموع على ابتسامات العَرَبْ إعتب على من شئت يا بن أبي وبالغ في العَتَبْ أنت الذي ما غبت غيماً صامتاً بل هكذا كدوي غابات البتولا في نثار الرعدِ يوم سقطْتَ أخضرَ واقفاً وسواك يسقط كالحَطَبْ إعتب على من شئت با ابن أبي وبالغ في العَتَبْ هي قصة لفتى غريب الدارِ وهي القصة الكبرى لكل الدارِ هذي الأرض لاجئة كمن لجأوا يطاردها غِلاظُ الخَطو والخُطباءُ، والخطباءُ إن قتلوا سعاداً أنشدوا بانت سعادْ. سرقوا سماءَ الناس يا ابن أبي ونبحش بالأظافرِ في تراب الكون كي نجد السماءْ وسيرقص الأعداء في التوراةِ لا طرباً ولكن خدعةً ويظل يرقص ذلك الحبشي لا طرباً "حلاوةُ روحِهِ رقصت بِهِ" سيزينون شجيرة الأعياد قرب البحرِ ثم يجربون فؤوسهم في غابة الإغريقِ حيث أَزِقَّةُ العربيِّ يرجف بردُها وتموءُ في غدها القِطَطْ وسيهمس الشهداء للشهداءِ: هل متنا غَلَطْ؟ وسيسهر الأعداء قربَ البحرِ ثم يرتِّبون الشرَّ مثل شراشفِ الأولادِ يرمون الضحيةَ للضحيةِ والسوادَ على السوادْ وهناك فوق غيومك الأولى، هناكْ ستنام في قلق علينا، مثلَنا حتى نغادرَ كلُّنا هذا الحدادْ.
شاعر وكاتب فلسطيني، من مواليد مدينة رام الله عام 1944. تخرج البرغوثي في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بجامعة القاهرة عام 1967، ولم يتمكن من العودة إلى مدينته إلا بعد ذلك ...