فكن ما عشت مُبْيَضَّ الثياب
وأَسلمني الزّمانُ إِلى أُناسٍ
إِذا عُدُّوا فليسوا من صِحابي
رَقُوا ظُلماً وأَنفسُهم ترامت
يا ضَيعَةُ العُمرِ في قَومٍ تَخالُهُمُ
ناساً وَلا غَيرَ أَثوابٍ عَلى صُوَرِ
لَو أَنَّ ذا الحِلمِ قَيساً حَلَّ بَينَهُمُ
لَوَدَّ مِنهُم ذَهابَ السَمعِ وَالبَصَرِ
يقولون صبراً واحتسب قلت طالما
صبرت ولكن لا أرى الصبر ينفع
فليت عطائي كان قُسِّم بينهم
وظلت بي الوجناء بالدوِّ تضبع
أقول وقد فاضت لعيني عَبرة
أرى الأرض تبقى والأخلاّء تذهب
أخلاءِ لو غير الحِمام أصابكم
عتبت ولكن ما على الدهر مَعتب
إِذا المَرءُ لَم يَغشَ الكَريهَةَ أَوشَكَت
حِبالُ الهُوَينا بِالفَتى أَن تَقَطَّعا
فَما الناسُ إِلاّ ما رَأَوا وَتَحَدَّثوا
وَما العَجزُ إِلا أَن يُضاموا فَيَجلِسُوا
وَلَلمَوتُ خَيرٌ لِلفَتى مِن حَياتِهِ
إِذا لَم يَثِب لِلأَمرِ إِلّا بِقائِدِ
فَعالِج جَسيماتِ الأُمورِ وَلا تَكُن
هَبيتَ الفُؤادِ هَمُّهُ لِلوَسائِدِ
فَلا تَعِدي مَواعِدَ كاذِباتٍ
تَمُرُّ بِها رِياحُ الصَيفِ دوني
فَإِنّي لَو تُخالِفُني شِمالي
خِلافَكِ ما وَصَلتُ بِها يَميني
وَلَقَد رَأَيتُ شَبيهَ ما عَيَّرتِني
يَغدو الزَمانُ بِهِ عَلَيكِ وَيَبكُرُ
وَجَعَلتُ يَحفَظُني الصَغيرُ وَمَلَّني
أَهلي وَكُنتُ مُكَرَّماً لا أُكهَرُ
وقد يكره الإنسان ماهو رشده
وتُلقى على غير الصواب شَرشِرُه
وكم كان في آفل المُلَوِّح من فتى
منادَى مفدًّى حين تبلى سرائره
وجربتُ إخوان الزمان فلم أَجد
صَديقاً جميلَ الغيب في حال بعده
وكم صَاحِبٍ عَاشَرتُه وألفتُه
فما دَام لي يوماً على حُسنِ عهده
وعاقبَني بعد الوِصَال بهجرِه
وأَعقَبَني بعد الدُّنوِّ بِبُعْدِه
فيا ليتني لا ذقتُ ساعَةَ وَصْلِه
إِذا كنتُ أَلْقَى بعدهَا عامَ صَدِّه
لَقَد تَناهَت بِيَ الأَشواقُ فَاِشتَعَلَت
نِيرانُ قَلبي وَأَذكَت حَرَّ أَنفاسِي
لَولاك لَولاكَ لَم أَعرِف هَوىً أَبَداً
فَحُبّكُم في فُؤادِي ثابِتٌ راسِ
أَشكو إِلَيكَ نَوىً تَمادى عُمرُها
حَتّى حَسِبتُ اليَومَ مِنها أَشهُرا
لا عيشَتي تَصفو وَلا رسمُ الهَوى
يَعفو وَلا جَفني يُصافِحُهُ الكَرى
أمعذبي كيف استطعت على الأذى
جلداً وأجزع ما يكون الريم
لو لم تكن هذي الطهارة سنةً
قد سنها من قبل إبراهيم
أيا مَن غرَّني باللطف حتى
خلعتُ على عِذاريه عذاري
ظننتُ بك الوفاءَ فخاب ظني
ونبَّهني على غلطي اختباري
دَع عَنكَ لَومي فَإِنَّ اللَومَ إِغراءُ
وَداوِني بِالَّتي كانَت هِيَ الداءُ
لَعَمري لَئِن قَلَّت إِلَيكَ رَسائِلي
لَأَنتَ الَّذي نَفسي عَلَيهِ تَذوبُ
فَلا تَحسَبوا أَنّي تَبَدَّلتُ غَيرَكُم
وَلا أَنَّ قَلبي مِن هَواكَ يَتوبُ
ومن طَلَبَ الوفاءَ مِنَ الليالي
على عِلاَّتِها طَلَبَ المُحَالا
لذلك لم أَزَلْ طَلْقَ المُحَيَّا
وإنْ عَبَسَ الصديقُ وإن أَذَالا
وعندي والغرامُ له صُروفٌ
بَلَوْتُ صُنوفَها حالاً فحالا
يا غادراً بي ولم أغدر بصحبتِه
وكان مني مكان السمع والبصر
قد كنت من قلبك القاسي أخال جفاً
فجاء ما خلته نقشاً على حجر