استيقظ متفجرة و بريئة كلحظة ولادتي متصلة باسرار الوجود و الينابيع كلحظة ولادتي و تهوي علي مطرقة التفاصيل ... ** صباح الخير ايتها التفاصيل اليومية المرعبة ... تقطيع بسكين المطبخ حبل الخلاص الذي يربطني الى البحر و الغابة و الموت دهشة .. و نهر الاسرار و المعارف الكونية و تستعيضين عن ذلك كله برنين الهاتف و قائمة المدعوين الى العشاء و الجلود المثقوبة لمصلح الحنفيات .. على اشلاء لحظاتي المنهوبة ... و محاضرة بائع البيض الطازج لحياه لم تعد طازجة ! ** آه التفاصيل اليومية المرعبة اتفتت على حد منجلها أخلف قطعة مني على المصباح الصغير المعطل داخل الفرن و الذي يجب ألا أنسى استبداله .. و بقية أشلائي تحت اناء الثلج الذي لا يحق لي اهماله داخل تابوته البراد ... و الفستق و الخيار المقشر المملح و المحارم الورقية و الصابون المعطر و بقية الطقوس العلفية ** و تسيل انهار الحساء المحروقة المنسية و تهب رائحة الحرائق من اعماقي كاشباح قتلى لم يثأر لهم.. لكن أحداً لا يرى الأشباح في المرآة و لا يشم رائحتها ... ** آه التفاصيل اليومية المرعبة الدقيقة كأنياب مصاص دماء .. أمشي في متاهتها اتعثر في فنجان قهوة هنا و صحن ثريد هناك .. و يصير فص الثوم اكبر من جبل التوباد .. و ادور حوله محتارة الاصابع من اين يقشرونه بينما رأسي يعود بعيدا فوق الغيوم متنقلا بين كوكب و اخر و حلم و آخر و دهشة كونية و أخرى ... ** أمزق قائمة أسماء المدعوين و ألصق بقايا اشلاء نهاري ... و اعلن العصيان على التفاصيل و اعود متوحشة و شرسة و نائية و لتذهب ( الواجبات الاجتماعية ) بعيدا الى مسقط راسها في مدن الرياء و الثرثرة و التشاوف ... ليقولوا ما يحلوا لهم عني لن ادفع اتاوة التفاهة من روحي ... ** وداعا ايتها التفاصيل .. ها انا استعيد ذاتي في قارة العزلة نقية متفجرة كلحظة الولادة و قد غسلت اعماقي في بحر الضوء الشاسع الوهاج ها انا من جديد سمكة فضية في بحر الفضول و الدهشة بعيدا عن رنين الهاتف و القاعات المذهبة للتفاهات انزلق في موج المعرفة و اسبح في الوهج اللامتناهي بحثا عن تلك الشمس السرية و عن حبيبي سارق النار
غادة أحمد السمان كاتبة وأديبة سورية.ولدت سنة 1942م، في دمشق،ضمن عائلة شامية عريقة. والدها أحمد السمان الذي كان رئيس جامعة دمشق كما استلم منصب وزير التعليم السوري لفترة قصيرة، ووالدتها ...