قصيدة في أربع حركات
دمي نافر وحده
جارحا ودمويا ينبغي أن يظلّ صوتي
صارخا في نثار جسدي تجّمع , تجّمع
وفي الأشجار تفرّعي , تفرّعي
لا حدود تفصل بين الجسد الموزّع ,
في القطارات الدمويّة
في الجنون العصريّ
وفي المدى الملتهب بشظايا الأعضاء والتذكّرات
فالدم في كلّ شيء
الدمّ في الطعام , في الكلام
و الدمّ في الصحيفة ,
الدمّ موج الهواء الذي لا نرى
و الدمّ الذي نرى
في العيون والتوهّجات , ليس الحرب
هذا دم غريب نابع من صحاري البلاد
ليس هذا دم عبدالله
هذا دمّ من سلالة المسلسل القديم ..
من تعرّجات البدء والولادة
من خطا القبيلة , من قطعان الإبل السارحة
ومن هذه البريّة
التي تتناسل في فراش العراء
دم صاخب في العروق
دم لاهب في طبقات الرأس
وهذا جسد في أمّة تلوب , أنا أمّة تلوب
وهذا هو الأسى المضيء , فاحترقي بي
واسكبي من دمي البقية
للزهر وقت وللقصائد أيضا
ويا بلادي أسلّ نفسي منك ..
مثل شعرة من العجين
وأرفع سبابتي أمام لوحك الأسود
ليس كتلميذ مهذّب , ولكن كخارجي
جارح ودمويا ينبغي أن يظلّ صوتي
صارخا في نثار جسدي تجّمع , تجّمع
هذه نتف , وأسموها بلادي
هذا غبار وقالوا إنّه الغمام
لا وجه هذه العواصم وجهي
ولا نسب لي بجيوش الطوائف أو قرابة
هذا أنا وحدي
ولا قمر في الوحشة
لا عباءة أو ربابة ولا صوت معي
دمي نافر وحده , دمي نافر وحده
وحده ذاهب في جراح النبيّ الجنوبيّ ,
أعطني قطرة يا دمي .. ظمئت
أعطني نقطة لأواصل ,
سقفا لأعبره باتجاه السماء
وعمرا لأسفحه عند أوّل طلقة
دمي هائج كالذبيحة
للشوارع صمت , كما للإذاعات ,
والوقت مبتدأ الكلام ,
ومبتدأ للتفاسير ,
العرائض لا تأخذ الآن ملابسها الأوليّة ,
إلاّ عباراتها ورنين التأسف فيها
وإلاّ دمي السائل الآن نهرا غريب الضفاف ,
أوقفوا أيّها السادة هذا المسلسل ,
موتي يقول بأنّ ادعاءاتكم باطلة ,
فانظروا ..
بين هذي الحروف دمي هائج كالذبيحة ,
كلّ المحافل ما كان منها وما سيكون ,
سيوف لنحري , وشاهدة للقبور التي ترسمون ,
هنا فوق صدري الفسيح ,
هنا وردة الأغنيات الطليقة كالطلقات ,
فلا تحزني يا بلادي كثيرا ,
دمي قابل للتجدّد في كلّ آن ,
وقبّرتي للصدوح ,
ويومي لإشراقة تصدق الوعد ,
لا تحزني يا بلادي
لعمري أكثر من حالة يتناسل فيها ,
مرة يختفي , مرّة لا يغيب ,
ولي نعمة الحسّ بالموت في كلّ آن ,
بلادي لماذا تفرّ عصافير حزنك ,
يرعشها الدمع ,
لا يا بلادي , اغسليني بأمطارك اللاهبات ,
اغسلي طرقات البلاد ,
بكلّ الصراخ الذي يملأ القلب ,
ها دعوة للصراخ المجلّجل ,
لا تنزعي صفحة من كتاب محبيّك ,
واستغفري لغة الأمهات , هو النبع يعطي ,
وأطرافك اللاسعات تمور بكلّ المرارات من
صمتك المستبدّ ,
وينضج تفاحك العربيّ ,
ليخرج من كلّ قطر إليك ,
ليرجم قاتلك المتخّفي هنا في البيانات ,
طيّ ثيابك ,
من يدّعي نفسه الحارس ,هذا عدوك ,
هذي علاماته الصمت والجبن من قاتليك ,
و هذي علاماته الاكتفاء بشجب الأعادي
علاماته يا بلادي
مزيد من الشجب فلنتفق يا بلادي
غزاتك هم خاذلوك ,
غزاتك هم صالبوك ,
غزاتك هم حاصروك ومن رجموك , وقالوا
اذهبي
أين يا مهرة الله نذهب ,
كلّ الجهات مهيأة للمهالك ,
كلّ البنادق جاهزة للصدور ,
اذهبي , في الجنوب هنالك متسعّ للردى الكبريائيّ
اهربي من هوان الردى العربيّ ,
هنالك متسعّ يا بلادي
ليس صور التي تمسح النار جبهتها الآن ,
ليس ملاك الجنوب الوحيد الذي يجرع الكأس ,
لا , ليس أشجار صور ,
ولا العاديات التي ترفع الآن أسوار صور ,
وتزرع أعلام صور ,
بعيدا بعيدا ,
وتوغل توغل في الخلق ,
إنّ مفاتنها تظهر اليوم في أوج وهج القيامة ,
في موج هذي السيول ,
توّزع حلوى الزفاف الجنوبيّ ,
كلّ الشبابيك والشرفات بصور تنادي
وكلّ الممالك موصدة دونها والحدود تنادي
بلادي بلادي بلادي
بلادي
ليس صور التي في الحصار ,
تشقّ الثياب ولكّنها الأمة السائبة
ليس صور التي في الحصار ,
ولكّنها الأمة الغائبة
إنّ صور توزّع أنفاسها العربيّة ,
خبزا لأيتامنا يا بلادي
تتجوّل مطعونة في العواصم وهي تنادي
ألا من يشدّ زنّاري
ألا من يشدّ زنّاري
ولكّنها صور , صور التي في الحصار بلادي
وصور التي في اللهيب فؤادي
وصور وصور وصور
وصور وصور
وصور