(1)
الألوان
جاء لها في الورقة أنّ الشاعر مسكون بالريحان ,
وسرّ الألوان ,
وجمّع في الأبيات , حنين اللوحات ,
وجمّع ما يقدر من صمت وضجيج يملؤه ,
جمّع من بيدره القمح ,
وجمّع برقوق الروح ,
وقال لها من أنت إذن
أيتها السيدة الذاهبة بعيدا في أفق الوحدة والصحراء
بساتيني مشرعة الأسوار ,
وحرّاسي يغفون ,
ولا قاطف إلاّ الريح ,
ولا ملكوت لنقشي , من أنت ؟
لماذا يبحر صوب ديارك هذا الشاعر أبدا ,
دون وصول
ولماذا يمنع من فاكهة الأرض نشيدا ودخول
***
ولماذا تكذبه الألوان , لماذا تكذبه الأوراق ,
وتنكره الأشعار , وتنكره السيدة الشفقيّة ,
دون سؤال أو هم تبعثه غربة هذا المخلوق ,
ولون يديه المائل للصفرة والموت ,
فلا تشرق يوما وتزور حرائقه الليلية ,
وسط خرائب الموجودات الأولى ,
وبنفسجة الحسرة ,
أيّ ندى يتشوّق , أيّ جدائل ,
ولماذا الأشعار تضيع ,
لماذا يذبل هذا الورق الساقط من أشجار القلب ,
وتنفيه الريح , بعيدا عن ساحة غرفتها ,
لا يعرف أين يقرّ ,
و لا يعرف أين يفرّ ,
ولا كيف يهيء شعر النسيان
ولماذا تتكسّر فيه الأغصان ؟
***
بردت قهوته الآن
ورماد سجائره صار إلى النسيان
والوقت مضى ..
سيغيب إذن في صمت الشارع ,
أو خلف الكثبان
قال لها سيدتي
ستظلّ عيونك أغنيتي
وتظلّ الألوان
أجمل ما تمنحه الروح ,
وأكمل ما تبدعه الشفتان
وتظلّين معي وعدا
وبقايا من حلم كان
لا أعرف إن كنّا سنرى اليوم الآتي ,
أو أنّا في بعض الأحيان
نتقابل ,
أو أني أشرب قهوتك الطيبة ,
وألمح في عينيك الأشجان
لا أعرف سيدتي
يا قبرّتي الضائعة بعيدا
في صمت شوارع عمّان ..
(2)
غزالة كنعان
جاءته الحرب وكان يوّدعها
جاءته الحرب وكان على شرفتها
جاءته الحرب وكان يخبيء في جنبيه
نرجستين ولا يحكي
جاءته الحرب وما كان لديه
إلا دمه ويداها
والقيد
جاءته الحرب
جاءته بيروت
جاء صراخ الله وكان يهيء قدّاسا
وتراتيل تليق بيوم عابر
كان يجانس بين أصابعها الناحلة ,
وبين الأغصان
بين جدائلها وسنابل مقصوفة
ويرى الطوفان
جاءته الحرب وكانيودّعها
كان على باب حديقتها
منطفئا وترصّعه الفضّة
كان خريفا من ورق وذبول
كان على باب حديقتها يهوي
كإناء فخاريّ
ليس له في الأرض سرير
ليس له مائدة أو مقهى
أو أسبوع من فرح أو قمح
أغلق باب حديقتها ومشى دون وداع
وتلّفت نحو ستائر بيضاء
ستائر واضحة كالدمع ,
وأفق تتشابك فيه الأشياء
كان المغرب مرتبكا , وخجولا ,
أضيق من حفرة
كان بلا إيقاع
أغلق دفترها , واستقبل يوما عاديا
واستقبل أخبارا أخرى
وجرائد أخرى
جاءت صبرا
جاءت أيام دراسته في الجامعة هناك ,
وجاء البحر
جاءت غرفته المتواضعة , فما الأمر !
جاء اللحم البشريّ رصاصّيا
جاء الأفق رماديّا
جاءته غزالة كنعان وماتت بين يديه
جاءته الكنعانيات وحيدات
إلاّ من أطفال الكنعانيين
جاءته البريّة
جاءته عصافير الأرض من الشيّاح
جاءته النافذة الأولى
ورأى شمل العائلة ,
راى المفتاح
ورأى ..
***
ماذا بعد ؟
ماذا بعد ؟
جاءته الحرب وما كان لديه
إلاّ دمه ويداها
والرّد
(3)
دم الزنبقة
للأغاني طقوس المحبّين ,
للنهر أسراره والبراري ولي
هذه الفسحة الضّيقة
ودم الزنبقة
ولي الآن هذا الفلك
أن أدور وحيدا وأصرخ في غرفة مغلقة
هذه الأرض سيّدتي محرقة
والبلاد التي زرتها في الضحى
لم تعد في البلاد
دخلت قميص السواد
للأغاني طقوس المحبّين , لي أن أغنّي الضنك
خبزنا مشترك
يومنا مشترك
أيها القلب يا سيّدي , يا أنيس التعب
يا كروما من اللوز , يا وطنا ,
من حقول القصب
ما الذي يسكن الآن فيك وكيف أسمّي اللهب !
والجنون الذي يملأ الحلقة
هذه الأرض سيّدتي محرقة
يا سفينة , يا بحر , لا أسأل الآن ,
لا أحتمي بملاذ
لم يعد في ظلال المساءات من مطر ,
لم تعد يا مساء الرذاذ
لم تعد زنبقة