الديوان » مصر » أحمد الزين » أفي كل حين وقفة إثر ذاهب

عدد الابيات : 62

طباعة

أَفي كُلِّ حِينٍ وَقفَةٌ إِثرَ ذاهِبِ

وَصَوغُ دَمٍ أَقضي بِهِ حَقَّ صاحِبِ

أوَدِّعُ صَحبي واحِداً بَعدَ واحِدٍ

فَأَفقِد قَلبي جانِباً بَعدَ جانِبِ

تَساقَطُ نَفسي كُلَّ يَومٍ فَبَعضُها

بِجَوفِ الثَرى وَالبَعضُ رَهنُ النَوائِبِ

فَيا دَهرُ دَع لي مِن فُؤادِي بَقيَّةً

لِوَصلِ وَدُودٍ أَو تَذكُّرِ غائِبِ

وَدَع لي مِن ماءِ الجُفونِ صبابَةً

أُجِيبُ بِها في البَينِ صَيحةَ ناعِبِ

وَهَل صِيغَ قَلبي أَو ذَخَرتُ مَدامِعي

لِغَيرِ وَفاءٍ أَو قَضاءٍ لِواجِبِ

فَقارِب أَخاكَ الدَّهرَ وَالعَيشُ مُسعِفٌ

فَسَوفَ تُرى بِالمَوتِ غَيرَ مُقارِبِ

حَياةُ الفَتى بَعدَ الأَخلاءِ زَفرَةٌ

تَرَدَّدُ ما بَينَ الحَشا وَالتَرائِبِ

رَعى اللَهُ فِتياناً وَفَوا حَقَّ شاعِرٍ

وَفيٍّ عَلى مَضِّ الخُطوبِ الحَوازِبِ

وَفِيٍّ لِمصرٍ لَم يُدَنِّس قَرِيضَهُ

بِحَمدِ خَئُونٍ أَو بِإِطراءِ كاذِبِ

وَفِيٍّ وَفاءَ الرُسلِ بَينَ مَعاشِرٍ

نَصِيبُ الحِمى مِنهُم وَفاءُ الثَعالِبِ

يَدُورُونَ بِالأَمداح يَبغُونَ مَأرَباً

فَيا ضَيعَةَ الأَوطانِ بَينَ المَآرِبِ

فَبَينا نَرى حَمداً نَرى الذَمَّ بَعدَهُ

يُريكَ فُصُولَ العامِ شِعرُ الأَكاذِبِ

فَدَع عَنكَ شِعرَ الحَمدِ وَالذَمِّ إِنَّني

نَصَحتُ بِما قَد أَقنَعَتني تَجارِبي

وَكُن أُمَّةً لَم تُعنَ إِلّا بِأُمَّةٍ

فَنَفسُكَ لَم تُخلَق لِسحرِ الأَلاعِبِ

مَتى تَخلِص الأَقلامُ للِنيلِ وَحدَه

فَمِن شاعِرٍ عالي الشُعورِ وَكاتِبِ

إِذا الشَّعبُ بِالنُوّاب عَزَّ مَكانُهُ

فَشِعرُكَ إِن تُنصِفهُ أَبلَغُ نائِبِ

وَهَل نائِبٌ زَكَّيتُمُوه كَنائِبٍ

يُزَكِّيهِ صَوتُ اللَهِ أَعدَلُ ناخِبِ

وَشتّانَ بَينَ اِثنَينِ نائِبِ أُمَّةٍ

وَنائِبِ إِنسانِيةٍ في المَصاعِبِ

فَهَذا إِلى وَقتٍ مِن الدَهرِ يَنقَضي

وَذاكَ عَن الأَجيالِ آتٍ وَذاهِبِ

لَقَد فَقَدَت مصرٌ بِفقدانِ حافِظٍ

لِساناً كَوَقعِ المُرهَفاتِ القَواضِبِ

فَسَل عَنهُ في المَوتى كرُومَرَ إِنَّه

سَقاهُ بِكَأسِ الشِعرِ سُمَّ العَقارِبِ

أَلَم يَرمِهِ في دِنشِوايَ بِضَربَةٍ

سَرى وَقعُها في شَرقِها وَالمَغارِبِ

أَطارَ فُؤادَ اللُوردِ صاعِقُ هَولِها

فَوَلّى عَلى أَعقابِهِ غَيرَ آئِبِ

وَشَدَّ عَلى قَصرِ الدُبارَةِ شَدَّةً

تَبَيَّنَ فيها اللُوردُ سُوءَ العَواقِبِ

تَداعَت بِها أَركانُهُ وَتَجاوَبَت

مَقاصِيرُهُ تَبكي بُكاءَ النَوادِبِ

وَكادَ يَقُولُ القَصرُ لِلُوردِ أَخلِني

فَلَو دامَ هَذا القَذفُ لا ندَكَّ جانِبي

ظُلِمتُ فَما ذَنبي تعرضُ ساحَتي

عِناداً لِلَيثٍ مُرهَفِ النابِ غاضِبِ

فَلَو كانَ لي في ساكِني مُتَخَيَّرٌ

لأَغلَقتُ بابي دُونَ إِيواءِ غاصِبِ

وَسَل بَعدَهُ غُورستَ ما فَعَلت بِهِ

بَواتِرُ أَمضى مِن نِصالِ المَضارِبِ

بَواتِرُ صاغَتها قَرِيحةُ شاعِرٍ

مِن اللَفظِ لَم تَحفِل بِحَشدِ الكَتائِبِ

تُمزِّقُ مِن أَعراضهم لا جُسومِهم

فَما القَتلُ أَن تُعنى بِحَشوِ الجَلابِبِ

وَما قَتَلَ الأَحرارَ كَالهَجوِ إِنَّهُم

يَرَونَ أَلِيمَ الطَعنِ طَعنَ المَناقِبِ

وَلَم أَرَ سَيفاً كَاللِسانِ قِرابُهُ

فَمٌ وَشَباهُ مِن قَوافٍ صَوائِبِ

يَرى شِعرَهُ بَينَ الصُفوفِ مُحارِباً

وَصاحِبُهُ في الناسِ غَيرُ مُحارِبِ

وَسَل مَجلِسَ الشُورى تَجبكَ من البِلى

مَواقِفُ صَرعى الجاهِ صَرعى المَناصِبِ

رَآهُم لأَغراضِ العَميد مَطِيَّةً

وَأَنَّ لِحَى الأَشياخِ لُعبَةُ لاعِبِ

فَأَوتَرَ قَوسَ النَقدِ غَيرَ مُصانِعٍ

وَسوَّدَ مُبيضَّ اللِّحى غَيرَ هائِبِ

فَذاكَ جَلالُ الشِّعرِ لا شِعر عُصبَةٍ

يُطالِعُنا تَجديدُهم بِالحَواصِبِ

هُمُ جُدَريُّ الشِعر أَذوَوا جَمالَه

بِما أَلصَقُوا في حُسنِهِ مِن مَعايِبِ

عَناوينُ كَالأَلغازِ حَيَّرَت النُهى

وَما تَحتَها مَعنىً يَلذّ لِطالِبِ

دَواوِينُ حُسنُ الطَبعِ قُوَّةُ قُبحِها

وَهَل يَخدَعُ النُقّادَ نَقشُ الخَرائِبِ

فَيا ضَيعَةُ الأَوراقِ في غَيرِ طائِلٍ

وَيا طُولَ ما تَشكو رَفُوفُ المَكاتِبِ

وَكَم دافَعوا عَن مَذهَبِ العَجزِ جُهدَهم

فَما غَسَلوا أَسواءَ تِلكَ المَذاهِبِ

وَكَم ملئُوا بِالزَهرِ وَالنَهرِ شِعرَهُم

بِلا طِيبِ مُستافٍ وَلا رِيِّ شارِبِ

وَكَم يَذكُرونَ الأَيكَ وَالطَيرَ صُدَّحاً

عَلَيها فَلَم نَسمَع سِوى صَوتِ ناعِبِ

وَكَم لَهِجُوا بِالشَمسِ حَتّى تَبَرَّمت

بِهم وَتَمَنَّت مَحوَها في الغَياهِبِ

وَكَم أَقلَقُوا بَدرَ الدُجى في سُكونِهِ

وَكَم أغرَقُوا سُمّاعَهم بِالسَحائِبِ

وَكَم هاتِفٍ بِالخُلدِ مِنهُم وَشِعرُهُ

تُوفيَ سِقطاً قَبلَ عَقد العَصائِبِ

وَشاكٍ كَواهُ الحُبُّ أَطفأَ جَمرَهُ

بِشعرٍ كَبَردِ الثَلجِ جَمِّ المَثالِبِ

فَأُقسِمُ لَو يَبغي وِصالاً بِشعرِهِ

لجانَبَهُ مَن لَم يَكُن بِمُجانِبِ

إِذا ما اِحتَفى بَعضٌ بِبَعضٍ فَإِنَّهُم

نَواضِبُ عِلمٍ تَحتَفي بِنَواضِبِ

أَكُلُّ مَتاعِ كاسِدٍ عِندَ غَيرِكُم

يَرُوجُ لَدَيكُم يا بِلادَ الأَعاجِبِ

وَكُلُّ أَخي زَيفٍ نَفاهُ سِواكُمُ

يُرى فيهِ مِن أَخيارِكُم أَلفُ راغِبِ

لَقَد راجَ دَجلُ الشِعر عِندَ رِجالِكُم

كَما راجَ دَجلُ السِحرِ عِندَ الكَواعِبِ

تَواصَت بِغَبنٍ شيبُكُم وَشَبابُكُم

وَفَوضى الهَوى ساوَت مُجدّاً بِلاعِبِ

فَأَحجم عَن مَيدانِها كُلُّ سابِقٍ

جَوادٍ وَجَلّى فيهِ تَهريجُ صاخِبِ

وَأَمسى زِمامُ الفِكرِ في يَدِ عُصبَةٍ

هُمُ المَثَل الأَعلى لِسُخفِ المَواهِبِ

عَلامَ يُجيدُ الفَنَّ في مصرَ مُتقِنٌ

إِذا كانَ بِالتَهريجِ نَيلُ المَراتِبِ

فَيا جَهلُ واصِلنا وَيا عِلمُ فَاِبتَعِد

وَيا حُمقُ لازِمنا وَيا عَقلُ جانِبِ

أَرى الجَهلَ نُوراً في بِلادٍ رِجالُها

خَفافيشُ يعشيها ضِياءُ الكَواكِبِ

إِذا الشَعبُ بِالإِهمالِ أَرسبَ عالياً

فَلا بِدعَ لَو يَعلُو بِهِ كُلُّ راِسِبِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أحمد الزين

avatar

أحمد الزين

مصر

poet-Ahmad-Al-Zein@

83

قصيدة

4

الاقتباسات

7

متابعين

أحمد الزين: شاعر ومحقق مصري كفيف البصر، وُلد عام 1900م في مصر، وفقد بصره في صغره. التحق بالأزهر وتلقى تعليمه هناك، ثم عمل محاميًا شرعيًا بعد تخرجه. انتقل بعد ذلك ...

المزيد عن أحمد الزين

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة