الديوان » مصر » أحمد الزين » إياك أن يفتنك الشباب

عدد الابيات : 58

طباعة

إِيّاكَ أَن يَفتِنَكَ الشَبابُ

وَأَن يَغُرَّ عَينَكَ السَرابُ

فَإِنَّما الشَبابُ ظِلٌّ زائِلُ

وَبَدرُهُ لا بُدَّ يَوماً آفِلُ

وَزَهرَةٌ تُذبِلُها اللَيالي

وَلَيسَ وَصلُهُ سِوى خَيالِ

سَرعانَ ما يَنقَشِعُ الجَهامُ

مِن سُحبِهِ وَيُسفِرُ الإِظلامُ

بادِرهُ ما اسطَعتَ بِما يَزينُ

وَلا تُدَنِّسهُ بِما يَشينُ

وَاِغتَنِم الشَبابَ قَبلَ الهَرَمِ

وَقَبلَ أَن تَصلى أُوارَ النَدَمِ

وَاِبخَل بِهِ إِلّا عَلى ما يَنفَعُك

وَجُد بِهِ فيما تَراهُ يَرفَعُك

فَإِنَّما أَيّامُهُ لَآلي

فَابخَل بِها إِلّا عَلى المَعالي

لا تُفنِها في لَذَّةِ المُدامِ

فَلَذَّةُ الكَأسِ إِلى آلامِ

لا يَسبِكَ الدَلُّ مِن الحِسانِ

وَاحذَر مِن التَشبيبِ بِالغَواني

وَاِطَّلبِ العَلياءَ فَهيَ أَطيَبُ

وَإِنَّ وَصلَ الغيدِ بَرقٌ خُلَّبُ

إِيّاكَ أَن تَجلِسَ في سَبيلِ

تَنظُر ذاتَ مَنظر جَميلِ

تَرشُقُها بَأَسهُمِ الأَلحاظِ

وَساقِطِ الأَقوالِ وَالأَلفاظِ

إِنّي أَرى عَجائِباً في مِصرِ

لا سِيَّما فِتيانُ ذاكَ العَصرِ

تَجَرَّدُوا مِن حِلية التَدَيُّنِ

فَلَم يَعُد إِيمانُهُم في مَأمَنِ

يَقضِي الجَهولُ ناضِرَ الشِهابِ

في لَعِبِ النَردِ مَعَ الأَصحابِ

تُنذِرهُ الساعاتُ وَهوَ سادِرُ

وَكَم هَداهُ الدَهرُ وَهوَ حائِرُ

يَقُولُ بادِر لَذَّةَ الحَياةِ

فَكُلُّ لَذّاتٍ إِلى فَواتِ

مِما حَفِظناهُ مِن العِظاتِ

وَما رَوَيناهُ عَنِ الهُداةِ

أَوّاهُ لَو كانَ الشبابُ يُبصِرُ

وَآهِ لَو كانَ المَشيبُ يَقدِرُ

لا تَزدَهيكَ عِزَّةُ المَناصِبِ

فَعِزَّةُ الدُنيا كَبَرق خالِبِ

عَمّا قَليلٍ شَمسُها تُغَيَّبُ

ما فَخرُ ذِي العَقلِ بِمَجدٍ يَذهَبُ

لا عِزَّةٌ بِمَنصِبٍ وَجاه

وَإِنَّما العزُّ بِتَقوى اللَهِ

فَحَسبُكَ التَقوى عُلاً وَعزاً

وَعُدَّةً لِمَن أَرادَ بَزّا

لا تَفتَخِر بِمَنصَبٍ وَمالِ

إِن كُنتَ ذا عَقلٍ وذا كَمالِ

دَع ما اِستَطَعتَ الفَخرَ بِالأُصُولِ

فَذاكَ فَخرُ العاجِزِ الكَسُولِ

وَإِن تَكُن بَينَ الوَرى شَريفاً

فَاضمُم إِلى تَلِيدِهم طَرِيفا

لا يُرفَعُ المَرءُ بِمَجد الوالِدِ

فَكُلُّنا فرعٌ لأَصلٍ واحِدِ

لا فَضلَ لامرِئٍ عَلى أَخيهِ

إلا بِذِكرٍ طَيِّبٍ يُبقيهِ

مِمَّا حَفِظناهُ مِنَ الآثارِ

وَما سَمِعناهُ مِن الأَخبارِ

أَنَّ امرَأً أَتى إِلى مُحَمَّدِ

يَسأَلُه عَن دينهِ وَيَهتَدي

فَأَدرَكَتهُ رِعدةٌ وَهَيبَه

لَمّا رَأى مُحَمَّداً وَصَحبَه

فَإِنَّهُ كانَ مَهِيبَ المَحضَرِ

إِن تَلقَه كَأَنَّهُ في عَسكَرِ

قالَ لَهُ النَبيُّ ماذا تَرهَبُ

مِنّا وَقَد جِئتَ إِلَينا تَرغَبُ

هَوِّن عَلَيكَ ما أَنا جَبّارُ

وَلا أَنا بَينَ الوَرى قَهّارُ

أُمّي كانَت تَأكُلُ القدِيدا

أَكرم بِهَذا خُلُقاً حَمِيدا

وَهَكذا كُلُّ عَظيم القَدرِ

دانٍ إِلى الناسِ قَليلُ الفَخرِ

وَمَن تَكُن بُغيَتُه العَلياءُ

فَقَدرُهُ في نَفسِهِ هَباءُ

يَسعى إِلى المَجدِ وَلَيسَ يَقنَعُ

وَمَن يَذُق طَعمَ العُلا لا يَشبَعُ

أَمّا قَصِيرُ الباعِ في المَعالي

فَإِنَّهُ يَقنَعُ بالآمالِ

مَهما تَكُن رُتبَتهُ صَغِيره

فَإِنَّها في ظَنِّهِ كَبيرَه

حَسبُكَ ما قَد جاءَ في الأَمثالِ

وَالكَلِمِ النَفائِسِ الغَوالي

إِن الأُسُودَ فَخرُها زَئيرُ

وَبِالنَهيقِ تَفخَرُ الحَميرُ

لا تُزهَ بِالطَريفِ وَالتلادِ

فَكُلُّ ما تَرى إِلى نَفادِ

أَوّاهُ لَو يَعرِفُ كُنهَ قَدرِهِ

في الناسِ مَن أَسقَطَهُ بِكبرهِ

لَو يَنظرُ الإِنسانُ مِمّا صُوِّرا

وَما يَؤُولُ أَمرُهُ ما اِستَكبَرا

إِن كُنتَ ذا عُلاً وَذا اِرتِفاعِ

في الناسِ فَاِحفَظهُ بِالاتِّضاعِ

وَكُن شَبيهَ البَدرِ في السَماءِ

وَنُورُهُ يَلُوحُ فَوقَ الماءِ

إِنَّ الفَتى مَن لَم يقُل أَنا أَنا

كَالغُصنِ إِن أَثمَرَ مالَ وَاِنثَنى

وَإِن يُصِب أَخُوكَ فَضلَ مَنصِبِ

فَلا تَزِد في الوُدِّ وَالتَحَبُّبِ

فَإِنَّهُ ضَربٌ مِنَ النِفاقِ

وَإِنَّهُ مِن سَيِّئِ الأَخلاقِ

وَإِن تَكُن ذا أَدَبٍ وَكيسِ

فَكُن كَما كُنتَ لَهُ بِالأَمسِ

وَزِدهُ في التَبجِيلِ وَالتَعظِيمِ

وَلا تَزد في وُدِّكَ القَديمِ

وَإِن تَزُرهُ وَهوَ في دِيوانِهِ

فَلا تُداعِبهُ لَدى إِخوانِهِ

تريدُ أَن يَفهَم مِنكَ الكُلُّ

أَنَّكَ أَنتَ الصاحِبُ المُدِلُّ

دَع ذَلِكَ الخُلقَ فَإِنّ فيهِ

غَيظاً لِمَن آخَيتَه يُؤذِيهِ

لا تَحسَبَنَّ خُلقَه ما تَفهَمُ

قَبلُ وَلا طِباعَه ما تَعلَمُ

فَإِنَّما الأَخلاقُ قَد تُبدَّلُ

وَالطَبعُ بِالعِزَّةِ قَد يُحَوِّلُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أحمد الزين

avatar

أحمد الزين

مصر

poet-Ahmad-Al-Zein@

83

قصيدة

4

الاقتباسات

13

متابعين

أحمد الزين: شاعر ومحقق مصري كفيف البصر، وُلد عام 1900م في مصر، وفقد بصره في صغره. التحق بالأزهر وتلقى تعليمه هناك، ثم عمل محاميًا شرعيًا بعد تخرجه. انتقل بعد ذلك ...

المزيد عن أحمد الزين

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة