لو كنتُ شاعراً يا سادتي القرّاءْ لاغتسلتْ في أحرفي قوالبُ الأشياءْ وانفلتتْ يدي المخبّأة بين السطور فجأةً لتنقشَ المياه بالدماءْ لو كنتُ شاعراً لمتُّ جائعا لكنني أتيتُ من قريتنا السوداء ولم أعد أذكرها كأنني ما جعتُ تحت كرمِها الثقيل بالثمرْ كأنني ما عشتُ في حاراتها عريان ظامئا في موسم المطرْ كأن أمي لم تكن عارية الثديين في دروبها تطعمها سنابلُ الترمُّلِ الطويل وحينما ينهشني تقلُّبُ الحقول في الضمير فإنني لا أستطيعُ أن أعودَ خطوةً إلى الوراءْ... لو كنتُ شاعراً يا قريتي البعيدةْ لانتحرتْ قصائدي كراهةً للأوجه البليدةْ أو هربتْ حروفها من غيهب الجريدةْ وطعمتْ صداقةَ الهواءْ. لو كنتُ شاعراً لاخترتُ أن أمرَّ في مزالق الأعرافْ لكنّه السيّافْ لكنها تجارة الأصدافْ وراحة الضمائر المبرَّرة هذا تخبّطي في الكون والفسادْ لو كنتُ شاعراً ما انغرستْ خطاي في محابر الرمادْ لكنني أموتْ تشنقني قصائدي في خيط عنكبوتْ...
ولد الشاعر محمد عفيفي مطر في قرية رملة الأنجب بمحافظة المنوفية في عام 1935م، وتخرج في كلية الآداب قسم الفلسفة، وعمل مدرسًا،ويعتبر محمد عفيفى مطر من أبرز شعراء جيل الستينات ...