غَبَشٌ يُبلِّلُهُ دخولُ الليلِ، والغيطانُ تسحبُ من بداياتِ النعاس تَنُفَّسَ الإيقاعِ منتظِمًا على مدِّ الحصيرة والمواويل. الزمانُ كأنه فجرٌ قديمٌ مستعاد قد كنتُ مضطجعاً أعابثُ شَعرَ بنتيَّ، الصغيرةُ أفزعتها قشرةُ الدمِ والصديدِ على عِظام الأنف – أهذي أم هي الزنزانةُ انفتحت على زمنين واتّسعت على هول المكان؟! – ريقٌ وجمرةٌ حنظلٍ، تتشقَّقُ الشفتان: يا عبد العليم ما للجِرار ادَّحرجت والقُلَّةِ الفُخّارِ عفَّرَها الرماد والملح، والنهرِ القريبِ مُشَقّقاً، ما للتحاريقِ ارتعت بالجمر والنسجِ المهلهلِ أعظمي وأديمَ هذا الليل يا عبد العليم!! أهذي وألهثُ أم هي البنتُ الصغيرةُ من ظلام الغيم تخرج فى يديها الكوزُ والإبريقُ تلمعُ في نحاسهما الزخارف بالعناقيد المندّاةِ؟! التفتُ.. فراعها أنّ القيودَ تعضُّ لحمَ المعصمَيْن فيرشحُ الدَّمُ فاستدارت وارتمت فى عثرة الرهبوتِ قد نَبَّهتُ رحمةَ أن يكونَ الماءُ والفخّارُ مشمولين بالسعدِ المُفَوَّحِ واللبان قال المخنّثُ للمخنّثِ: إن هذا الأهبل المجنون يهرفُ بالكلام (فعرفت أنهما هما.. والجسر بين الصالحية والرشيد مرجِّعٌ للبلغم الدهنيّ فى صوتيهما) قال المخنّثُ للمخنّثِ: إن نوبة نومي اقتربت فأخرسْ صوتَهُ بعصاكَ فانفجرت برأسي الصاعقة كان الصدى متشظياً بدَمِ الهلاوس آه يا عبد العليم لم يترك الأهلون من نُبْلِ العصا فى لعبة التحطيبِ ميراثا بأوغاد الزمان النذلِ هل رجلٌ وضربتُهُ تجيءُ من الوراء!! أدركْ دمي بالبُنِّ بعد الماء يا عبد العليم كانوا ثلاثةَ أصدقاء والموت رابعَهُم، وأيديهم تُجَمِّعُها قصاع الفتِّ في ليلِ الموالد بعد رقص الذكر والتخمير.. كان أبوكَ يهدُرُ فى مقام الحشدِ تأخذهُ الجلالة، وجهه الطينيُّ يلمعُ، والعصا فى إصبعيه تدورُ مثل مغازل الأفلاكِ يا جملَ المحامل – إنّه جملٌ يطمطمُ من ضراب الرقص في أعضائه.. يا أمَّ هاشم.. ثمّ تنكسر العصيُّ على عصاه ثانيهمُ ينشقُّ عنه الحشد: قفطانٌ يضيءُ بياضه الزهريُّ، والشالُ المرفرفُ، بسطة الأفيون، والقدُّ النحيل/ كالخيزرانةِ، والعصا ليست تُرى من كَرِّها بين اليدين يفحُّ، يصفِرُ، يرتمي وتداً يلين وينثني كالصلِّ.. آه وألف آه هي نقرةُ الطَرَفِ الرشيقِ من العصا بفجاءة التلميح والتصريح.. لا تجدي مصاولةٌ ولا يجدي دفاع اللاعبين يعلو ضجيج الحشد ما بين الصهيل الحر والفوضى وإنشاد الذهول مسٌّ وطائفُ بهجةٍ ورؤى جنون الوصل توصلُ نشوةَ الملكوت بالإنسان في وجد الجنون حتى إذا اقتربت خُطى عمّي مُعَوَّض بالعصا حطَّ السكون هو صخرةٌ قُدَّتْ من الأهواء والخمر الرخيص فأفردته العائلة هجرته زوجته وفرَّ بنوه فى تسعينه الأولى فزوجُتُهُ الزجاجةُ والعصا والذكريات مع النساء كفّاهُ كالمذراة ساعدُهُ عروقُ السنط خطوته انصباب السيل، كان الحشدُ ينصتُ وهو تغمزُ عينُهُ ببقيّةٍ من كحلها المعتاد من عسلٍ وشِشْمٍ، دار ملتفتاً إلى ركن النساء على السطوح وحاجباه يراقصان الشمسَ والحنّاءَ والذِّكَرَ الغويّةَ، ثم مرَّ اللاعبون وتخلّعت أعضاؤه خشباً وفولاذاً ورقصاً عاري الإيماء كان اللاعبون أمامه لعباً تطيش عصيّهم وتطيرُ من أيديهمُ والكحلُ فى عينيه يغمزُ للنساء والليل يطوي خيمةَ الصبح المُعَفَّرِ لانعقاد الذكر والتخمير.. واشتبكت أصابعهم بدفء الفتِّ واللحم السمين، ورابعُ الأصحاب يرقبهم، يُطيفُ على الرؤوس مرفرفاً كالصقر، ينسج من تواشيحِ الصبابة والولاية مدرج الكفن الحرير.
ولد الشاعر محمد عفيفي مطر في قرية رملة الأنجب بمحافظة المنوفية في عام 1935م، وتخرج في كلية الآداب قسم الفلسفة، وعمل مدرسًا،ويعتبر محمد عفيفى مطر من أبرز شعراء جيل الستينات ...