الديوان » سوريا » خليل شيبوب » واصل اللهو فالزمان مؤات

عدد الابيات : 111

طباعة

واصل اللهوَ فالزمانُ مؤاتِ

واطَّرح ذكر كل ما هو آتِ

ذاك سرُّ الغد الذي خبأته

مبهمات الأيام في المبهمات

واسقنيها صفراءَ مثل شعاع الشم

س تحيي في النسف كلَّ مَوات

تبعث السعد من مظنّاته في ال

غيبِ حتى يصير في الممكنات

وهي توحي إلى الجنان ليزداد

اتساعاً في فهم معنى الحياة

صففت في الكؤوس فاختطفت ال

حاظنا بالأشعة الخاطفات

وتبدَّت كؤوسُها كنجومٍ

في سماءِ الخوان منتثرات

هاتها تنجلي عروساً فإني

كلفٌ بالأعراس والجلوات

نحن في روضةٍ وهذا ربيعٌ

حافل بالعبير والنسمات

فانظر الأرض والسماءَ فكم بي

نهما للنهى من الآيات

رقَّ وجه السماء حتى اجتلينا

معجزاتِ السماءِ في مرآة

وبدا الأفقُ مائجاً بضياءٍ

أرسلته لواحظُ الآلهات

خطرت شمسه تجر ذيول النو

ر فيه كخطرة الملكات

وقفَت ساعةُ الأصيل تحيينا

بنثر الشقيق والوردات

فهي لليوم كالربيع من العام

يكونان أطيب الأوقات

انظر الروض كل غصن لديه

زهرةٌ كالفتى بقرب الفتاة

قد سقى النورُ كلَّ زهرٍ هناءً

إنما خمرةُ الزهرات

فلذا مال كلُّ غصنٍ هياماً

لاعباً في النواسم اللاعبات

اسقنيها مثل الضياءَ لأجلو

عن فؤادي الهموم كالظلمات

إنني ضاحك وقلبي باكٍ

ودموعي قد مازجت ضحكاتي

إن وقت الأصيل يبعث بالذك

رى شجوناً ثقيلة الوطئات

لبست هذه الرياضُ ثياباً

جُدُداً في ألوانها زاهيات

جدَّدتِ زِيَّها وفي كل فصلٍ

جِدَّةٌ في الأَزياءِ للغانيات

إنما هذه الطبيعةُ انثى

قد حوت في الغرم كل السمات

تتحلّى بكل وشيٍ من النب

ت كوشي الزخارف المتقنات

تتهادى في كل ثوبٍ من الحس

ن فريدٍ في هذه الأَشتات

كل جزءٍ بشكله صار كلّاً

كاملاً في المحاسن الكاملات

كل معنىً فيه بهيجٌ كأح

لام الليالي البواسم السافرات

تَبذُلِ الماءَ لارتشافٍ كما

يُبذَل ثغرُ الملاح للرشفات

ضَرَّجَ الحسنُ خدها فدعانا

لشميم التفاح في الوجنات

ضمها النورُ في فراشيٍ من العش

ب لذيذ العناق والقبلات

فأثارت كوامن الوجد في النف

س وهاجت مطارح اللذات

إسقنيها وغنِّني فحميا ال

كأس تتميمُ موقع النغمات

غنتني الشِعر واسقني الخمر واعذر

نزعات الجنون في نزعاتي

إن في الشعر رنةً تبعتها

راحةٌ تنتهي إلى القافيات

إن في الخمر سروةً تخمد اليأ

س وتنسي الماصئبَ الصائبات

رب يأسٍ ألمَّ بي لأمورٍ

ضاق صدري بها وطالت شكاتي

من شقاءٍ وعثرة وغرامٍ

وسقامٍ وغربة وشتات

دواني بالنسيان والخمر والشع

ر وسكِّن جوانحي الثائرات

فالأماني صرعى مشيتُ عليها

فكأني مشيتُ فوق رفات

ليتني قد فقدتُ حسّي فما تو

جبني كل هذه الموجعات

ليتني قد وجدت عقلي في أر

تاع من كل هذه الحادثات

ليتني ليتني بعيد عن النا

س أنيس الوحوش في الفلوات

هاتها أنها ابنةُ النور باللو

ن وأمُّ الظلام بالفعلات

بهجةُ العين حرقةُ القلب فيها

كل ما شئتَ من منىً وأذاة

هي روحٌ بنفسه مستقلٌّ

عن قيود الإجسام قام بذات

وهبتها ملائكُ اللَه النا

س فكانت منهم أجلَّ الهبات

فهي تروي عن السماء حديثاً

كحديث العيون بالنظرات

تتلقاه كلُّ نفسٍ بما يط

بع فيها الزمان من حالات

فُضِحَ السرُّ يا نديمي فاملأ

كأس خمر وسم هنداً وهات

واسقنيها على اسم هندٍ كما يُب

دأُ باسم الإله في الصلوات

زحفَ الليلُ بالغروب على الكو

ن كزحف الجيوش بالرايات

ليت هندٌ هنا إذاً لرأيتَ الشم

س في الليل في أتم صفات

آه يا هند أنتِ معنى وجودي

ولعينيكِ قد كرهتُ حياتي

قاطعيني كما تريدين إني

بك صبٌّ حُشرتُ بين الغواة

وتناسَي حبي ولا تذكريني

وتمني على الزمان مماتي

فأنا حافظٌ عهود فؤادي

ومطيلٌ على الشقاءِ أناتي

كلُّ حبٍ يزول في يومه إن

لم يكُ ابنَ العواطف الخالدات

إبحثي في دمي فحبك فيه

راسخٌ كالقواعد الراسخات

ثابتٌ كالجبال في الأرض لا يق

وى عليها الزمانُ بالعاصفات

كل يوم حوادثٌ تفعم الصدر

وقولٌ يدور بين الوشاة

ودعاةٌ إلى التنابذ والبغ

ضاءِ والكيد قام بين السعادة

كل ذنبي يا هند كثرة عشقي

لك والعاشقون غير الجناة

عشراتُ السنين مرت على حبي

فواهاً لهن من عشرات

لم أخن مرةً ولم أُلفَ يوماً

غافلَ القلبِ فاتر العزمات

بل جعلتُ بالغرام حلية نفسي

مثل قطر الصباح فوق النبات

مُنزلاً ذلك الغرام من النف

س نزول الأنوار في الحدقات

نابذاً في الحياة ما ليس حباً

واسعَ الصدر صادقَ النيات

معطياً ما ملكت قولاً وفعلاً

وفؤادي في أول الأَعطيات

ناسياً أن لي شباباً أضحي

فيه حُبَّ الهوى بغير تقاة

لم أعوِّد فمي فيلفظ غير اس

مك حتى اشتهرتُ بين اللدات

مغفلاً كلَّ من يحدثني عن

غير حبي أُعدُّه من عداتي

جاعلاً ذلك الغرام أَمام

اللَه والناس واضحاً كالأضاة

عاقلاً لم يُضَر بحمق وطيشٍ

طاهراً لم يشب بأَدنى الهنات

كل هذا نسيته وتباعدت

فماذا جرى من الآفات

وَدِّعيني على الأقل وأَبقي

لي هذا العزاءَ في خلواتي

إن أَشاع الرواةُ عني كلاماً

كذِّبي كذِّبي كلامَ الرواة

كلماتُ البهتان تبدو جلياً

إن كل الجحيم في كلمات

راجعيني بلفظةٍ وأَعيري

كلَّ ماضيَّ فيك بعض التفات

لم أكن آفن المدارك حتى

تنبذيني يا هند نبذ النواة

أنا سكرانُ فاعذروا هذياني

ودعوني الجُّ في سكراتي

أنا في روعةٍ فهاتوا أماناً

أنا أبكي فكفكفو عبراتي

إن ما بين أضلعي جمرات

أَطفئوا نار هذه الجمرات

إيه ردي إليَّ عمري فهذي

شمس عمري قد آذنت بفوات

وأعيري إن لم تردي ولو بع

ض ثوانٍ أقضي بها حاجاتي

يا ظلام العصور أين شبابي

أين عزمي وصحتي وثباتي

أي ذنبٍ جنيتُ حتى دهاني

قَدَرٌ قد جرى على ميقات

ليس عهدي إني جنيت ذنوباً

إن عهدي توافر الحسنات

سلبتني الأحداثُ حالي ومالي

وأَطالت على الهوى حسراتي

أين هندٌ وهل أرادت لي الأو

جاعَ هندٌ وهل أنا في سبات

أي شيءٍ أرى أَمامي لا لا

إنما أنتَ ساكبُ الكاسات

وقف الليلُ يملأُ القلب خوفاً

بالخيالات من جميع الجهات

يا نجوم السماءِ أهلاً وسهلاً

بالحسان الفواتن الطاهرات

يا عيون الدجى أطلي على الكون

ومدي لحاظك الباهرات

نحن في الأرض حائرون فما با

لك في ظلمة الدجى حائرات

أنا ضيَّعتُ كلَّ شيءٍ فهل عن

دك علمٌ ببعض مفقوداتي

أنتِ من فوق للأنام سلامٌ

نيِّرٌ في وجوهك النيِّرات

طالعيها وعاتبيها فهندٌ

لك أختٌ باللحظ والبسماتِ

أَسكِروني ما شاءَ يأسي وحبي

أوَلستم بين الأنامِ ثقاتي

واكتموا ما أذعته بلسان ال

خمر عنها وفرِّجوا أَزَماتي

إيه يا هند والزمان طويلٌ

بيننا والأيام خير قضاة

سوف يبدو لك الصريحُ ويبقى

لك جرم الخواتل الجارمات

إذهبي إنني سئمتُك وامضي

في طريقٍ قامت بغير هداة

اسرحي وامرحي فإني مشغو

لٌ أُداوي جراحي الداميات

لا تنهنهك أدمعي أنها را

حت من الغيظ لا الهوى جاريات

واتركي كلَّ ما يوافيك عني

ودعي فهم هذه الزفرات

لغةُ النفس كلها فسدت عندي

وللهجرُ مفسدٌ للغات

أبلغوها قطيعتي وسلاماً

طيباً كالنواسم الطيبات

ولتدم في حماية اللَه ولتن

سَ الذي خلَّفته في الشقوات

أَضجعوني على الثرى وافرشوه

بالحصى واذهبوا على البركات

ودَعوني لكي أَنامَ ويا للَه

مما تعيد لي يقظاتي

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن خليل شيبوب

avatar

خليل شيبوب حساب موثق

سوريا

poet-Khalil-Shayboub@

95

قصيدة

88

متابعين

خليل بن إبراهيم بن عبد الخالق شيبوب. شاعر من أدباء الكتاب، من طائفة الروم الأرثوذكس. سوري الأصل، ولد بالاذقية، واشتهر وتوفي بالإسكندرية. له (الفجر الأول-ط) وهو الجزء الأول من ديوان ...

المزيد عن خليل شيبوب

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة