لم يكن في جعبتي غير شموع ٍو أغان ِ عندما جئتك ،يا طيبةُ ،تحدوني المقاديرُ لأُلقي جسدي المتعبَ في بعض ديارِكْ... كنتُ أسلمتُ البقايا من نقودي لصبي ٍ جائع ٍ أبصرته ملقى على الدرب ِ، ولم أعبأ بما سوف يكون... فبساتينكِ ،يا طيبةُ ،لا يعدِمُ فيها العندليبْ دوحة ً تحضنه عند المساءْ... هكذا صوّر لي وهمي ، ففي طيبة كان الناسُ في الماضي يحبون الغناءْ!... وعلى بابك واجهتُ السؤالْ... كنت أدري أنَّهُ آت فأعددت له نفسي طويلاَ ، وطلبتُ العلمَ في الصين ِ ..فسارعت أجيب "إنه الإنسانُ.." وانداحتْ على وجه "أبي الهول" ابتسامه ملؤها الاشفاقُ والهزءُ.. "ولكنْ كان هذا من زمانْ، أيها الآتي الغريبْ!... لم يَعدِ هذا جوازاً للمرور..." لم يكنْ وحشاً مخيفاً –مثلما تروي الأساطيرُ ولكن كائناً فظ التقاطيعِ ، له سيماءُ تاجرْ وعلى سترته أوسمة ٌشتى، بدا لي أنها من ورقٍ زاهٍ ملوَّنْ... وبحزمٍ صاح بي أن أفسح الدرب لزائرْ جاء في مركبة ذات ستائر!... وعلى أبوابك السبعة ، يا طيبة ُ، كررتُ الإجابه وتلقيتُ ابتسامات رثاءٍ و ازدراءْ، وتكوّرتُ على قارعة الدربِ ،.. وحيداً في المساء وتذكرتُ حماقاتي ، وغنيتُ لنفسي بكآبه!.... آه كم يحزنني أن شموعي ، يا مدينه هي أوهى شعلةً من أن تضئ ليلك المرخى على عهرٍ وزيفٍ وعفونه !...
رشید یاسین عبّاس الرّبيعي،صحفي وشاعر وناقد أدبي وأستاذ جامعي عراقي.
ولد في بغداد سنة 1929،وأكمل تعليمه الابتدائي والثانوي فيها. ثم تابع تعلميه في علوم المسرح
في بلغاريا فنال البكالوريوس، وحاصل على ...