ولا تكتب الآن شيئا
فمدّ الحنين المسائي ..
يوغل في الشفق البرتقاليّ ,
هذا هو البحر , والعربات الأنيقة تعبر ,
إنّ رياحك ساكنة ..
والنوارس لا تتتقن الآن فنّ العناق
ولا تكتب الآن شيئا ..
فأنت على سفر دائم
والبلاد تهاجر خلف الحدود ,
وقامات أشجارها لا تبين ,
وهذي السكاكين ..
مشرعة لرقاب الأحبّة ..
هذا هو العمر , قاطرة وحقائب ,
خاصرة ورماح
وكلّ الناس محكومة ..
بالحنين إلى البحر والعشب مهمومة ,
بالفراق
لأيّ التواريخ تنسب أوجاعها الكوكبيّة ..
أعراسها الدموية ,
ها إنّ أمطارك الداخليّة ..تهطل ..
أقمارك الموسمية .. تأفل ,
شيئا فشيئا ..
ولا تنزل الآن , لا ترحل الآن ,
تحمل أوراقها وقلائدها
والسيوف التي لم تجدها
ووحدك تشقى
لأيّ التواريخ تنسب أوجاع هذي النوارس
تجيء المراكب والجوع يبقى
تهبّ الرياح بما ..
يشتهيه الزمان المعاكس
ولا تكتب الآن شيئا ,
فأنت هنا
في موات الصحارى الوسيعة ترقى
دما سائلا فوق وجه الجدار ,
ووجها على جوعه لا يراق
تقول :
لقد لفحتنا الشموس ,
وهذي الدروب امتداد إلى الحزن والحزن ,
هذا رماد الطفولة يلبس أثوابنا ..
إنّ أهدابنا ..
بالغصون القديمة مثقلة ,
والحسّاسين تهجر أعشاشها وتجيء
تقول :
( وكانت تنقر أوراقها القبّرات الأليفة ,
عبر الحوار ) ,
لماذا تضيق الجهات ,
وتلتجيء الأغنيات ,
ولا نهتدي لمدار ؟
***
تحدّث عنها الرياح العصّية ,
ترسم وجها ..
يليق بصفصافها الفارع المستحيل
تميل على ذكرها الأمهات الغيورات ..
في ساحة الدمع ,
والعائدات من النبع ,
يروين عنها
فيخضّر عشب بعيد بعيد
ويشرع أفق ..
وتحتلّني ,
عنقا ناضجا أو هديل
أغنّي لها تارة ,
أو أنام على صدرها
طاعنا في الهموم ,
محاطا بصفّ الخصوم ,
أفتّش في ليلها عن دليل
سهام التي عربشت في حزام النبيّ المهاجر ,
ذات أصيل
لماذا يعزّ إليها الوصول ؟
سهام الرضا والمدى والسهول
سهام النتوءات والبحر والموج
والشاطىء المستحمّ بوهج الظهيرة ,
يقرأ في سفر أيامه الذاهبة
سهام السنابل والمدن الغائبة
سهام التي لا تجيء ,
التي لا تغيب ,
التي أوغلت في دمي ..
رعشة , رعشة ,
واستوت في الحنايا
ولكنّ هذي الزوايا
تجاهر عتمتها بالزهور البعيدة ..
سائلت عنها السعاة ,
وجبت الفلاة ,
طرقت المدائن بابا فبابا
وعادت مساءلتي شجرا
وهمومي رؤى ..
وانكساري مرايا
لماذا أضيّعها في المساء ؟
وأترك نافذتي لرياح الخليج ..
تسفّ ترابا ترابا
لماذا أضيّعها في المساء ؟
وأرسم دائرة ضيقّة
لماذا أضيّعها في المساء ؟
ونكهة قهوتها في فمي
عذبة حارقة
وتأسرني بين قوسين اثنين ,
سنبلة لا تموت ..
ولا أبلغ المشنقة
لماذا أضيّعها في المساء ؟
وأمضي إلى موعد لا يكون ,
إلى وحشة لا تهون ,
إلى أفق واسع ..
موجع
ساطع
كالبكاء
لماذا أضيّعها في المساء ؟
سهام العصافير والضحكات
سهام المشاوير والأغنيات
سهام الكلام , الحمام الذي ..
رفّ سربا فسربا
وحرّك فيّ اشتهاء الندى ,
والحجارة
والمعجزات
لماذا أضيّعها في المساء ؟
***
ولا تكتب الآن شيئا
فأنت على سفر دائم ,
والبلاد تهاجر خلف الحدود ,
وقامات أشجارها لا تبين ,
وهذي السكاكين ,
مشرّعة لرقاب الأحبّة
من أين تبدأ ..
هذا هو الحبّ , إنّ الرياح تهبّ ..
الحريق يشبّ ,
وهذا أوان العناق