الديوان » فلسطين » محمد القيسي » سهام النوارس والبحر

ولا تكتب الآن شيئا
فمدّ الحنين المسائي ..
يوغل في الشفق البرتقاليّ ,
هذا هو البحر , والعربات الأنيقة تعبر ,
إنّ رياحك ساكنة ..
والنوارس لا تتتقن الآن فنّ العناق
ولا تكتب الآن شيئا ..
فأنت على سفر دائم
والبلاد تهاجر خلف الحدود ,
وقامات أشجارها لا تبين ,
وهذي السكاكين ..
مشرعة لرقاب الأحبّة ..
هذا هو العمر , قاطرة وحقائب ,
خاصرة ورماح
وكلّ الناس محكومة ..
بالحنين إلى البحر والعشب مهمومة ,
بالفراق
لأيّ التواريخ تنسب أوجاعها الكوكبيّة ..
أعراسها الدموية ,
ها إنّ أمطارك الداخليّة ..تهطل ..
أقمارك الموسمية .. تأفل ,
شيئا فشيئا ..
ولا تنزل الآن , لا ترحل الآن ,
تحمل أوراقها وقلائدها
والسيوف التي لم تجدها
ووحدك تشقى
لأيّ التواريخ تنسب أوجاع هذي النوارس
تجيء المراكب والجوع يبقى
تهبّ الرياح بما ..
يشتهيه الزمان المعاكس
ولا تكتب الآن شيئا ,
فأنت هنا
في موات الصحارى الوسيعة ترقى
دما سائلا فوق وجه الجدار ,
ووجها على جوعه لا يراق
تقول :
لقد لفحتنا الشموس ,
وهذي الدروب امتداد إلى الحزن والحزن ,
هذا رماد الطفولة يلبس أثوابنا ..
إنّ أهدابنا ..
بالغصون القديمة مثقلة ,
والحسّاسين تهجر أعشاشها وتجيء
تقول :
( وكانت تنقر أوراقها القبّرات الأليفة ,
عبر الحوار ) ,
لماذا تضيق الجهات ,
وتلتجيء الأغنيات ,
ولا نهتدي لمدار ؟
***
تحدّث عنها الرياح العصّية ,
ترسم وجها ..
يليق بصفصافها الفارع المستحيل
تميل على ذكرها الأمهات الغيورات ..
في ساحة الدمع ,
والعائدات من النبع ,
يروين عنها
فيخضّر عشب بعيد بعيد
ويشرع أفق ..
وتحتلّني ,
عنقا ناضجا أو هديل
أغنّي لها تارة ,
أو أنام على صدرها
طاعنا في الهموم ,
محاطا بصفّ الخصوم ,
أفتّش في ليلها عن دليل
سهام التي عربشت في حزام النبيّ المهاجر ,
ذات أصيل
لماذا يعزّ إليها الوصول ؟
سهام الرضا والمدى والسهول
سهام النتوءات والبحر والموج
والشاطىء المستحمّ بوهج الظهيرة ,
يقرأ في سفر أيامه الذاهبة
سهام السنابل والمدن الغائبة
سهام التي لا تجيء ,
التي لا تغيب ,
التي أوغلت في دمي ..
رعشة , رعشة ,
واستوت في الحنايا
ولكنّ هذي الزوايا
تجاهر عتمتها بالزهور البعيدة ..
سائلت عنها السعاة ,
وجبت الفلاة ,
طرقت المدائن بابا فبابا
وعادت مساءلتي شجرا
وهمومي رؤى ..
وانكساري مرايا
لماذا أضيّعها في المساء ؟
وأترك نافذتي لرياح الخليج ..
تسفّ ترابا ترابا
لماذا أضيّعها في المساء ؟
وأرسم دائرة ضيقّة
لماذا أضيّعها في المساء ؟
ونكهة قهوتها في فمي
عذبة حارقة
وتأسرني بين قوسين اثنين ,
سنبلة لا تموت ..
ولا أبلغ المشنقة
لماذا أضيّعها في المساء ؟
وأمضي إلى موعد لا يكون ,
إلى وحشة لا تهون ,
إلى أفق واسع ..
موجع
ساطع
كالبكاء
لماذا أضيّعها في المساء ؟
سهام العصافير والضحكات
سهام المشاوير والأغنيات
سهام الكلام , الحمام الذي ..
رفّ سربا فسربا
وحرّك فيّ اشتهاء الندى ,
والحجارة
والمعجزات
لماذا أضيّعها في المساء ؟
***
ولا تكتب الآن شيئا
فأنت على سفر دائم ,
والبلاد تهاجر خلف الحدود ,
وقامات أشجارها لا تبين ,
وهذي السكاكين ,
مشرّعة لرقاب الأحبّة
من أين تبدأ ..
هذا هو الحبّ , إنّ الرياح تهبّ ..
الحريق يشبّ ,
وهذا أوان العناق

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد القيسي

avatar

محمد القيسي حساب موثق

فلسطين

poet-mohammed-al-qaisi@

147

قصيدة

50

متابعين

محمد خليل القيسي ولد في كفر عانة/ يافا عام 1944، حصل على ليسانس لغة عربية من جامعة بيروت العربية عام 1971، وعمل بعد تخرجه حتى عام 1979 في التربية ...

المزيد عن محمد القيسي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة