يناسبها وهي تهرب منّي
يناسبها أن أغنّي
وأن أجمع الروح , أجمع هذي الشظايا
وما يتناثر من خفقان الجوارح ,
لا أحتسي في صباح الخميس سوى
صوتها
من بعيد يجيء
ومن مقعد من أمامي يجيء
فما بيننا غير طاولة , غير نادله ,
غير كوبين ,
غير خريف ومنفى
وغير رصيف التعب !
لماذا تصير الأغاني حطب !
يناسبها وهي تهرب منّي
يناسبها أن أغنّي
وترشقني بالرماح أشورية ,
كيف تهطل برّاقة في سحاب يديها
وتأتي الفراشات , تأتي إليها
تحوم وتهوي
وحزني يأوي .. إليّ ..
ويومي ليس يضيء
ومن آخر الأرض , من بيتها
في أقاصي الجبل
يطلّ إذن وجهها ويجيء :
بريد الليالي الوحيدة , لا أصدقاء ,
ولا ضوء مقهى
بريد الهديل
بريد الصحارى التي صاحبتني
فما مسحت بالمناديل حزني
ولا تركتني
أعالج هذا الرحيل
بريد الكتاب الذي لا أصل
فيا أيّها الغامض المشتعل
ويا أيّها السرّ ,
يا أيّها المستقر , الذي لا يقّر ,
الذي لوّن الأفق بالفضة البابليّة ,
والأقحوان الغريب
وأعطى شفافية الكائنات ,
وأعطى يدي صمتها المتكّبر , أعطى
البدايات ,
أعطى المساءات , أعطى الوشاح
وأعطى الرياح
ممراتها باتجاه قلوعي ,
أعطني لحظة , لأعدّ ضلوعي ,
ومن بعد يا سيدي الغامض المشتعل
أعني , أعطني جمرة ,
وأعط عمري نايا
يناسبها وهي تهرب منّي
يناسبها أن أغنّي
وأن أجمع الروح , أجمع هذي الشظايا
أنا النهر , والنهر ثوبي , ولا ثوب لي
أنا الحجل المرتحل