الديوان » العصر العثماني » جميل صدقي الزهاوي » كتاب رثاء يحمل البث من قلبي

عدد الابيات : 45

طباعة

كتاب رثاء يحمل البث من قلبي

إلى قبر ميت في طرابلس الغربِ

فيا جدثا في طيِّه نام شوكت

سقاك مُلِثٌّ ذو بعاع من السحب

تضمنت حرا يعلم اللَه أنه

إلى أن قضى قد كان والظلم في حرب

وكن إذا ما حل ساحة بلدة

يخاصم حزباً في المحاماة عن حزب

يحيط به الأحرار فيها كأنما

هو القطب والأحرار دائرة القطب

أخو عزمات ظل طول حياته

على لطفه لا يخلط الجدَّ باللعب

يخاطر في أمر الدفاع بنفسه

فيمشي مع الأحداث جنباً إلى جنب

يزور غمار الحادثات بكله

فيخرج من كرب ويدخل في كرب

ويبكي مع الباكي على ما أصابه

ويسعد بالمال الضعيف عن الكسب

من الأمراء العسكريين دأبه

صيان الحمى أكرم بذلك من دأب

له بالقضايا الفلسفية خبرة

يشاركني في البحث عنها وفي النقب

وأنظار صدق في الفنون دقيقة

وآراء علم هن أسنى من الشهب

وكان كحدِّ السيف غَربُ لسانهِ

مَضاءً ففل الموت من ذلك الغرب

تكافأ فيما بيننا ثابت الهوى

فلي حبه قد كان يحكى له حبِّي

أتتني أخبارٌ بموتك أنبأت

فغاب لها رشدي وطار لها لبي

وددت لو أني قبل منعاك ميت

ولم أتل شيئاً من نعيِّك في الكتب

ظفرت بقرب من حيناً فسرني

ولكن سريعاً ما انقضت دولة القرب

وقد قضت الأيام بالبعد بيننا

فطال على الأيام فيما قضت عتبي

وغادرتني أبكي المجالس نادبا

علاك بها لو كان ينفعني ندبي

أعاف لذيذ النوم في الليل إن دنا

وأشرق من جرَّاك بالبارد العذب

وكنتُ لعود من لقائك راجياً

فقطع آمالي قضاؤُك للنحب

وما الموت إلا منهل جامع وقد

وردتَ وإنا سائرون على الدرب

أشوكت ما ان عنَّ ذكرك خاطراً

بقلبيَ إلا واعترت رجفةٌ قلبي

دعتك المنايا بعد سقم ملازمٍ

فقلت لنفس فيك قد حشرجت لبي

هو السل ماذا يفعل الطبُّ نحوه

إذا كان يعي داؤُه حيلة الطب

تنشَّب في أحشاء صدرك ظفره

فأضعفه عن حرب مكروبه الألب

كأني بقومٍ حول جسمك خشع

لموتك من تُرك هناك ومن عُرب

قد استودعوا التابوت شخصك ثم قد

طووا ذلك التابوت في باطن الترب

فقلبٌ على ما كان ولهان آسف

وعينٌ على ما ناب دائمة السكب

وشيَّعك الجم الغفير مسافراً

إلى منزل قد ضاق من منزل رحبِ

إلى منزل داجي القرارة موحشٍ

يظل عن الأضواء والريح في حجب

فيسكن فيهِ المرء غير مخير

بعيداً عن الخلان والأهل والصحب

يقيم به كرهاً ويخضع للبلى

زماناً طويلاً لا يقاس على الحقب

وما ضرر الإنسان من طول مكثهِ

إذا كان فيه فاقد الحس واللب

أَإنا إذا متنا تظل نفوسنا

تطير بهذا الجو لآم نحن كالعشب

فنخصب أياماً تكون قليلة

ونجدب لما تنقضي مدة الخصب

فتخمد أنفاس وتيبس أوجه

لنا يبس أزهار بألوانها تسبى

وكم غادة كانت تميس بمشيها

كما تعبث الأرواح بالغصن الرطب

ففاجأها موت فراحت وخلفها

يشب ضراماً قلب عاشقها الصب

وكم من شعوب فرقتهم بكرههم

شعوب وكانوا قبل ملتئمي الشعب

فأين مضى القوم الألى أَرهفوا الظبى

وأين تولى قائدو الضمَّر القبِّ

وأين الذي قد كان يلبس زينة

وأين الذي قد كان يخطر في عجب

وكم عض هذا الموت من واسعى المنى

وكم غالَ هذا الموت من آمني السرب

سرى الركب ليلا ثم ما آب مخبر

فينبئُ أهل الحي عن ذلك الركب

ألم يبرحوا سارين أم تركوا السرى

وحلوا بسهل بعد ذلك أم صعبِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جميل صدقي الزهاوي

avatar

جميل صدقي الزهاوي حساب موثق

العصر العثماني

poet-jamil-sidqi-al-zahawi@

373

قصيدة

2

الاقتباسات

138

متابعين

جميل صدقي بن محمد فيضي ابن المنلا أحمد بابان، الزهاوي. شاعر، ينحو منحى الفلاسفة، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحاضر. مولده ووفاته ببغداد. كان أبوه مفتيها. وبيته بيت ...

المزيد عن جميل صدقي الزهاوي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة