في الصيفِ تسألُ الجذورُ عن مصيرِها، والنهرُ لا يُجيب غصَّتْ به العيونُ في الجبالِ أمْ تلقَّفتْه في الهجير تربةٌ؟ فمن يجيبُ هذه الجذورَ عن مصيرِها؟ يحضنُها في زمن الخريف؟ يدفعُ عنها قسوةَ الشتاء يا تُرى؟ الورقُ الذي يهرُّ جسدٌ، والسرُّ في الجذور وفي الجذور أمسُنا، وفي الجذور غدُنا هنا الثمارُ بلحٌ وبرتقالٌ، وهناك عنبٌ يعصرُه السُّقاةُ خمرةً، وحيث يكثرُ الجرادُ لا ثمارَ بل حصًى وعبثًا نصيح نحن كالرياحِ حرَّةً تجيء من مكانها وحرةً تروحْ فنحن يا رفيقيَ الغريبَ نعمرُ الثرى لنا الترابُ بيتُ رحمٍ وكفنْ وفي التراب تهبطُ الجذورُ صُعُدًا فالأرضُ مولدٌ حصادْ ها «نينَوى»! فاجأني الدليلُ صائحًا ها «نينوى»! ومرةً عرَفتُ في النقوشِ وجهَ صاحبي، لمستُه براحتي قائلاً «هنا الصدى يطولْ والخاطر الذي يمرُّ قطرةً يشربُها الترابُ يحضنُها العُبابُ، لا تزولُ ما كان لا يصيرُ، لا تنعقُ البومةُ في ديارِه ولا يحوم حوله الغرابُ كلُّ زمانٍ أبدٌ وكلُّ رِحلةٍ إيابُ» وحيثما التفتُّ صورٌ حفرَها الزمانُ، لا تزولُ لا شيءَ ههنا يزولُ تقول جدتي «حفيدُها كجدِّهِ يسير تاركًا يديه في الفضاءِ ويؤثرُ المبيت باكرًا والصبح، حينما يُفيقُ، غابةٌ من الحراب حولَ جفْنِه» وفي دمشقَ أبصرَتْ عينايَ «سنحريبَ» جاثمًا والموتُ في خيامِهِ، وفي الطريق ألفُ شبحٍ وشبح، وها هي الوجوه خزفٌ، قماقمٌ والخاتمُ اللَّبيْك صَدِئٌ، والبُسُطُ الريحُ استحالت طائرًا، عجلةً تدور والزمانُ واحدٌ، وشهرزادُ ما تزال تسرد الحياةَ ههنا حكايةً وشهرزاد جسدٌ، كالورق الذي يهرُّ، جسدٌ والسرُّ في الجذورِ وعبثًا نصيح نحن كالرياح حرَّةً تجيء من مكانها وحرةً تروحُ لنا الترابُ بيت رحمٍ وكفنْ والموتُ وحدَه البقاءُ رجلايَ في الفضاءِ والفضاءُ هاربٌ، وليس لي جناحُ الشمس لا تُدفِئني، ولا تُغطِّي جسدي الرياحُ ليت الذي علَّقني هناك شدَّ حول عُنقي، بل ليتَه سمَّرني بل ليتَه، حين كفرتُ بأخي، طردَني هنا هنا على التراب جبهتي وفي التراب قدمي، وقدمي هياكلٌ ومدنٌ ودمعةٌ هي الفرات تارةً وهي البحار تارةً، وقدمي دمٌ وقبلةٌ أوّاه، يا صديقيَ الغريبَ، نحن جسدُ كالورق الذي يهرُّ، جسدُ والسرُّ في الجذورِ وها هي الجذور تسأل الترابَ عن مصيرها والنهرُ لا يجيبُ في الصيف لا يجيبُ من يا ترى يجيب هذه الجذورَ عن مصيرها يحضنُها، يردُّ عنها قسوةَ الشتاء، والربيعُ مقبلُ، لا بدَّ مقبلُ من القبورِ والحقولِ مقبلُ فالموتُ والحياة واحدٌ والأرضُ وحدَها البقاء