دارتي السوداءُ ملأى بعظامٍ عافها نورُ النهارِ، من يواريها الترابا؟ علّها تُبعث يوماً، تدفع الصخرةَ عنها. آهِ كانت كائناً يملأُ جفنيه الظلامُ. أبكماً كالجدث المغلق، مشلولاً، كسيحاً راح يستعطي على عرض الطريقِ. آهِ كانت كائناً لا كونَ فيه. عدماً يرقص في جفن الغريقِ! ليته ما كان يوماً، ليته ما كان يوماً هكذا. ليته ما كان، بل ظلَّ بأحضان الرمالِ. يا صديقي، أنا لا أندبُ حالي، أنا لا أعرفُ حالي: العصافيرُ بنتْ أعشاشَها حيثما حطّتْ بها ريح الشمالِ، وأنا في هذه الدارة وحدي جاثماً كالهمّ، كاللعنة، كالخوفِ على صدرِ الجبانِ، جاثماً كالموت في البرهة في كلِّ مكانِ، جاثماً بين العظامِ. ليتَ من يجرؤ، من يقوى على طمر العظامِ! أنا لا أجرؤُ، لا أقوى على طمرِ العظامِ: قبضتي كلّتْ وأظفاري براها الزحفُ من دارٍ لدارِ، منذ ما سمّرتُ في الحرف مصيري، منذ ما أطفأتِ الريحُ على الشطِّ مناري. أتراني أهجر الدار وأمضي، "يدفنُ الأمواتُ موتاهم" وأمضي؟ أين أمضي؟ أإلى المأتم في الغابة والميتُ إلهُ؟ أإلى العرس، وما في العرس خمرٌ ومسيحُ؟ أم تراني ألزم الصمت وأبقى، مثل آبائيَ أبقى، جاثماً بين عظامٍ عافها نور النهارِ، ملّها عتم الليالي، والعصافير بنت أعشاشها حيثما حطّتْ بها ريح الشمالِ؟ آه لا أدري، ولكني أصلّي!