1 هذه سيدةٌ من حجرٍ، تخرجُ! في طلعتها نحلٌ كثيرٌ يضطربْ قلبها من حنطةٍ تنبضُ، تجنيها عصافيرُ اللعبْ وإلى الثديينِ يأوي طفلها، يغفو، ويصحو، ويثبْ... هذه السيدة الخضراءُ، عذراءُ الجهاتْ وعروسُ التربةِ الأولى، وأمُّ الجمهراتِ التائههْ نهضتْ مثقلةَ الشعر ندى أو فاكههْ والخطا تخضرّ بالماءِ، فيخضرّ طريقٌ ونباتْ هذه وارثةٌ كبرى، ونارُ الشجرهْ! حجرٌ أم خشبٌ؟ سنبلةٌ أم ثمرهْ؟ قبةٌ للنحلِ كانتْ، قبلةً منتظرهْ.. لمَ لا أولدُ، أحيا، وأحبّْ وأنا من حجرٍ يدنو، وينأى بين عينيها، يتيماً أتجلى، ووحيداً أحتجبْ فأرى ما لا يرى في كلمهْ وفضائي دوّنتهُ آلههْ ورواهُ السحرةْ! * فلأحاول أيَّ معنى في الجسدْ ولأحاولْ هذه الرؤيا التي لما تزلْ منقسمةْ! ولأحاولْ جسداً يخرجُ من أعضائهِ، تاريخهُ من تربةٍ تنمو، فينمو متَّحدْ وهو يحيا، فيعاني... يتحولْ! ولأحاولْ هذه الأرضَ التي كانتْ تعاني، وتضيقْ.. ما الذي تنجبهُ بعد رمادٍ ونثارٍ وحريقْ؟ كل شيءٍ يتناهى، يتبدلْ! غسقٌ، قبرٌ جماعيٌ، عظامٌ، مستحاثاتٌ، خلايا، سنبلاتٌ من دمِ، طينٌ عتيقْ.. كلُّ شيء ينحني فيها، ويذهلْ بعد أهوالِ الحريقْ! جبهةٌ للأبِ، ثديُ الأمِ، وجهُ الطفلِ، ماءُ العينِ، أوراقُ الكتابهْ فخذٌ من فضةٍ، عذرةُ قمحٍ، سرةُ الماءٍ، سريرٌ كوكبيْ طائرٌ من حطبٍ، نطفةُ نارٍ، طرقٌ، رعدٌ وبرقٌ وبريقْ.. وأنا هشَّمني وقتي، وضيّعتُ الأدلاءَ، فضيعتُ الطريقْ! آهِ من وقتي، ومن زادِ الطريقْ! شهوةُ الشعر انتهتْ بين جنونٍ وخطابهْ.. 2 هو ذا الشرق الذي يجمع، منذوراً ومسحوراً، أثاثهْ هو ذا الشرق، الذي ألغى تخومَهْ لم يزلْ يدعو إناثهْ لحضورٍ ذكريٍّ وغيابٍ أنثويْ هو ذا الشرقُ الذي يطمسُ في السرّ أو الجهرِ تراثهْ بعد أن يحتفلَ الجمعُ بماءٍ وفروجٍ وثديّْ! ويلبي الروحَ: روحَ الشعبِ، روحَ النبعِ، نبعَ الروحِ، روح السحرِ، سحرَ الروحِ، أو روح الأمومهْ! فانتظر في بابلَ الأنثى التي أهّلتِ الفطرةَ والبذرةَ، إذْ أهلتِ التربةَ والعصفور والينبوع والضفة والنهر..الخ ثم كان الشعر مثل السحرِ والسحرُ كمثلِ الشعرِ.. كانت برهةٌ فيها تكاثرنا كمثل الملحِ.. إذ كرّمتِ الخلق بشرقٍ آدميٍّ وإلهٍ آدميّْ! غيرَ أن الوقتَ ضدُّ الشعرِ: الأنثى الإلههْ وقوى الأرض التي شفتْ، وحلّتْ في متاههْ! كلٌّ شيءٍ سلعٌ تطفو، ويطفو زبدٌ فوق الزبدْ! ولأجربْ أن أرى طوفاننا الآخرَ.. هل يبقى أحدْ؟ * امتدحْ خلقاً جديداً، وامتدحْ هذا الجسدْ! جسدٌ يخرجُ من أعضائهٍ عريانَ إلا من دمٍ تاريخهُ آلهةٌ من حجرٍ أو من خشبْ... امتدحْ نسلَ دماغٍ معدنيّْ ربما أعلنهُ فقهُ الحداثهْ أمبراطور رمادٍ أو ذهبْ! 3 كلُّ شيءٍ هو ضدُّ الشعرِ: تاريخُ القنانهْ ونضوجُ الديكتاتورياتِ، تلقيحُ النفاياتِ، نظامُ الفضلاتْ دولٌ تغلي بأرقامِ الولادات وأرقامِ الوفياتِ، محطاتٌ، طقوسٌ ورموزٌ.. شبكاتْ! رغبةُ التسعيرِ والتصديرِ، إفلاسُ التقانهْ! مشيخاتٌ وإماراتٌ.. حروبٌ، فلسفاتٌ.. نظرياتٌ وشعرٌ.. قيمٌ في سلةٍ للمهملاتْ.. بورجوازيونَ للبيعِ وصرافونَ، تجارٌ، مغنّونَ، وأعضاءٌ من المعدنِ، نفطٌ.. وقوى صاعدةٌ، هابطةٌ.. مصطلحاتٌ. هندساتْ.. دبلوماسيونَ من حبرٍ، عبيدٌ، نخبٌ، دولارُ نثرٍ، سلطةٌ، آلهةٌ منفيةٌ، سوقٌ وثرواتٌ، عباداتٌ وأنسابٌ، قصورٌ وبيوتْ.. ثورةٌ، مؤتمراتٌ، طبقاتْ.. كائنٌ يحيا وحيداً، كائنٌ حيٌّ يموتْ! 4 هذه السلطة للنثرِ إذاً، كانتْ تقامْ! كلُّ شيءٍ هو ضدُّ الشعرِ: تشكيلُ نظامٍ عالميٍ، ونظامْ ملتقى الأمراضِ، تاريخٌ جماعيٌ قديمٌ وحديثْ اقتصادْ وسياساتٌ.. مجاعاتٌ وإعلامٌ خبيثْ فرضياتٌ وعريٌ وحلولٌ واختباراتٌ وجنسٌ...رأسمالٍ وطنيّْ وعروضٌ وتفاعيلُ وديوانُ خطابٍ بربريّْ! وأراني حالماً، مختلفاً بين مقامٍ ومقامْ وأراني عالماً ينشر ضدّه وأرى سيدةً من حجر بين إناثٍ من حجرْ والفتى يرعى نقوشاً دونتها الشمسُ، أحياها المطرْ! هذه السلطةُ للنثرِ إذاً، للنثرٍ وحدهْ! * هكذا أحيا لأدهشْ! وأرى.. ماذا أرى؟ آهِ مما لا أرى! كلُّ شيءٍ ينتهي من داخلٍ، يخلو، يشوشْ! كلُّ شيءٍ ينتهي مثلَ غبارٍ أو نثارْ! هذه سيدةٌ من حجرٍ أو من غضارْ مهرةٌ طالعةٌ، نحلةُ بيتٍ، نخلةٌ عاليةٌ، تخضرُّ، أخضرُّ، ويخضرُّ رواقٌ وجدارْ.. هي جمهوريتي الأولى، ومأوى لصغارٍ وكبارْ! ربما يحتفلُ الشعر بعينيها، بثدييها، بزنديها، بكفيها، بفخذيها... ويدعوهُ حضورٌ مبتكرْ! ما الذي يفعلهُ الشعر لأرضٍ تحتضرْ؟ والفتى من حجرٍ، يخلو بأنثى من حجرْ! * آهِ، لو أني حجرْ!
مصطفى عباس خضر, شاعر وباحث سوري ،ولد عام 1944 في بولص – سورية, ولد في إحدى قرى حماة ثم انتقل مع أسرته إلى مدينة حمص حيث أنهى تعليمه الابتدائي والإعدادي ...