يقول الشاعر المبدع قاسم الشهلي :
 
تأخر الصيفُ عنا في مباهجهِ
فلا اخضرارٌ ولا زهرٌ ولا ترفُ
ولا بلابل في الأغصان راقصةٌ
ولا حمائم في أعناقها تحفُ
حتى ظننتُ بأن الصيف معتقلٌ
أو أنه في بني ضبيان مُختطفُ
 
وقلتُ مستطرداً :
 
أعيذها منك أن تنوي زيارتنا ،
فربما لست تدري كيف تنصرفُ
 
رجالنا كوحوش الغاب ما عرفوا
رسماً ولا اسماً ولا للغير قد ألفوا
 
مثل الصقور تراهم في الحيود وقد ،
رصُّوا الذخيرة والآتي هو الهدفُ
 
والأرض تعكس دوماً وجه ساكنها ،
والحنظل المُرُّ ينمو قُربَهُ السنفُ 
 
قامت حضارتنا بالسيف وانتصرت ،
والآن ترجع بالبارود تلتحفُ 
 
فكيف تعجب أن الصيف مرتحلٌ ،
إلى بلادٍ بها الأجناس تأتلفُ 
 
بها القلوب تلاقت والكفوف مضت ،
تبني ، تُعمِّر ، والحكام تعترف 
 
يا رحلة الصيف ، هل تأتين ثانيةً ،
ويكتفي كل من عاثوا بما ( لَهَفوا ) 
 
لرحلة الصيف عَوْدٌ في مرابعنا ،
وللقوافل أصقاعٌ ، ومنعطفُ 
 
وللربيع حضورٌ في مواسمه ،
وللغمائم من بعد الشتا سُجُفُ 
 
طبع الحضارة ، لا زلنا نكابده ،
بعض الغرائز ، تخفى طبعها الجلفُ 
 
قومٌ تأكدّ أن الرّكبَ غادرهم ،
وأنهم خارج التاريخ ينحرفوا 
 
وأن مجداً عريقاً قد أطاح به ،
قومٌ رعاعٌ وأوباشٌ بهم صلفُ 
 
كانت لهم مُدُن الأمصار شاخصةً ،
وكان في أرضهم يستوطن الشرفُ 
 
خاف الطغاة بيوت العلم عامرةً ،
فحاربوا العلم عمداً أينما ثقفوا 
 
لما تصدى أباة الضيم سطوتهم ،
هوَتْ رؤوسُ الهدى فاستوطن التلفُ 
 
وسيطر الجهل في الأرجاء قاطبةً ،
عزّ الكساء وحلّ الجوع والدنفُ 
 
لما أتى الفجر في أيلول مبتسماً ،
تمزق الظلم ، ولّى وجههُ النَّغِفُ 
 
باعوا لسبتمبر الأمجاد أنفسهم ،
وللتوحّد كم غنُّوا وكم هتفوا 
 
والأربعون أتت تزهو بزينتها ،
تميسُ في المدن الكبرى وتنعطفُ 
 
وبعض أرجآئنا لا زال في شظفٍ ،
يصلَى من الحرِّ، حين البرد يرتجفُ 
 
ولا طريقٌ، ولا ماءٌ ولا سكنٌ ،
ولا مدارس للأبناء .. لا غُرفُ 
 
تعشَّموا الحق يأتي من رهينتهم ،
لأن بعض ردود الفعل تختلفُ 
 
لا رغبة في بلاء الضيف أو سفهاً ،
وانما ليرى بالعين ، ما وصفوا 
 
وقد يبيتون أخماصاً بليلتهم ،
ليكرموا الضيف ، مأواهم له كنفُ 
 
هي الأصالة لا تعدو شمائلهم ،
من في العروبة منها ظلّ يغترفُ 
 
مضوا لتحقيق ما قد فات من زمنٍ ،
ليستعيدوا مقاماً ، شاده السلفُ 
 
سعوْا إلى العدل مهما كان ممتنعاً ،
ليبلغوه … على أشلائهم وقفوا 
 
والطيش يقتل عند الجهل صاحبهُ ،
والنفس تهلَكُ لو يطغى بها شغفُ 
 
إن الشجاعة لو ثارت عزائمها ،
عند الشدائد … للأخطاء تقترفُ 
 
28/2/2002م