الديوان » لبنان » سليمان البستاني » لدى ثغر زنت الذي اندفقا

عدد الابيات : 399

طباعة

لدى ثغر زنت الذي اندفقا

زلالاً ومن زفسٍ انبثقا

أخيل جيوش العدى بددا

فشطرٌ تدافع مرتعدا

لإليون فوق السهول التي

بها أمس أرغوسةٌ ولت

وهامت بقلبٍ قد انخلعا

وهكطور من خلفها اندفعا

وفوق الطراود هيرا البخار

أثارت لتثقلهم بالقرار

وشطرٌ بمجرى المياه العميق

ترامى بصلصلةٍ وشهيق

يموج بفضي موجٍ يمور

له يقصف اليم حتى الثغور

صراخٌ شديدٌ ورجع صدى

وجندٌ تراموا بغير هدى

كأنهم بحثيث المفر

جرادٌ من النار للنهر فر

يثور اللهيب على أثره

فيلجأ للماء من شرره

كذاك أخيل الطراود ساق

إلى زنث فوق المجاري العماق

خليطاً بهم غص ذاك المجال

كباش رجالٍ وجرد عجال

وألقى بعامله فاستند

على أثلةٍ فوق تلك الجدد

وكر بصارمه المنتضى

كربٍّ بدهم البؤوس قضى

وخاض العباب يبت الرقابا

ويقتل كل كميٍّ أصابا

وما ثم إلا زفير كماه

ونقعٌ يخضب وجه المياه

فمن وجهه اندفعوا بالثبور

إلى النهر والتجأوا للصخور

كأنهم سمكٌ ذعرا

لدلفين هولٍ وراه جرى

فأم الشقوق بثغرٍ أمين

لينجو من شر موتٍ مبين

ولما من الفتك كلت يداه

ونال مناه بكيد العداه

من اللجة استخرج اثني عشر

غلاماً كخشف الفلاة اقشعر

وكل فتىً بزهي نطاقه

هنالك أحكم شد وثاقه

لفطرقل كفارةً تدخر

إلى الفلك أرسلهم ثم كر

إذا بلقاوون قد خرجا

من النهر يحسب أن قد نجا

هو ابنٌ لفريام كان أسر

أخيل قديماً بليلٍ عبر

دهاه إلى تينةٍ قد عمد

بأرض أبيه بنصلٍ أحد

وغض الغصون لقد قطعا

لأكناف مركبةٍ صنعا

وأركبه معه السفنا

فبيع بلمنوس ممتهنا

هناك ابن إيسون منه شراه

وإيتين الإمبروسي افتداه

وأرسله بعد بذل الكرم

لأرض أرسبا فمنها انهزم

وعاش قريراً لثاني عشر

نهاراً بأوطانه حيث قر

فسيق بحكم إلاهٍ عظيم

لآخيل ينفذه للجحيم

وما عبر النهر حتى سحق

قواه العياء وسح العرق

فألقى على الجرف شكته

قناً ومجنا وخوذته

وألفاه آخيل مرتعشا

فبادره صائحاً دهشا

لعيني رباه لاح العجاب

أمن أرض لمنوس ذا القرم آب

إذن من أبدت ببهم الجنود

من اللجج الدهم سوف يعود

نعم آب واليم ما عاقه

وإن عاق بالرغم أرفاقه

إذاً حد ذا النصل فليجر عن

لنعلم هل بعد ذا يرجعن

أو الأرض هدامة العزامات

تبيدنه كرثيث الرفات

فهاجس آخيل ذا هجسا

وذياك تجوته التمسا

دنا يرتمي فوق ركبته

وآخيل أو ما بصعدته

فأهوى وعن ظهره انحرفت

وفي الأرض غرثانةً وقفت

فمد لقاوون كلتا يديه

يمس بإحداهما ركبتيه

وتلك بها النصل عنقاً قبض

وصاح أخيل أصبت الغرض

فها أنذا لاثمٌ ركبتيكا

فرق لمرءٍ ذليلٍ لديكا

عليك له حق حق الولاء

فقد ذاق زادك قبل الجلاء

قبيل المسير بهذا الأسير

يباع بلمنوس عبداً كسير

نعم بي ظفرت بروضٍ أغن

وأنأيتني عن أبي والوطن

وما نلت من ثمني المستفاد

سوى مئةٍ من عجول البلاد

فإن تعف عني فحق الفداء

مئاتٌ ثلاثٌ وصدق الولاء

نهاري ثاني عشر نهار

به عدت بعد العوادي الكبار

وقد ساقني ليديك القدر

فكم قد قلاني مولى البشر

أجل آه أمي لعيشٍ قصير

لقد ولدتني وويلٍ كثير

لوو ثوةٌ بنت ألتيس من

على ثغر ستينويس قطن

وشاخ بفيداسةٍ حيث ساد

قروم الليغ رجال الجلاد

لفريام زوجاً غدت ولكم

له غيرها زةوجةٌ مذ حكم

فاولدها عنده ولدين

وأنت ستثكلها البطلين

فليذر من كإلاهٍ صدر

برأس المشاة ببأسك خر

وبي قد رمى بعض آل العلى

إليك لأجرع كأس البلا

ألا ما رحمت فكنت العتيقا

فلست لهكطور تدري شقيقا

وما ولدتني أم فتى

حشاك لفطرقل قد فتتا

كذاك لقاوون ألقى الخطاب

ذليلاً فأسمع مر الجواب

تعست فلا تذكرن الفدا

ففطرقل قبلك قد فقدا

فكم بكم من بطل

أسرت وبعت ولم أقتل

ولكنني اليوم أيّاً رماه

بقبضة كفي أي إلاه

يبيد ذليلاً ولاسيما

بنو الملك فريام حامي الحمى

فمت صاح مت ودع الحسرات

ففطرقل أرفع شاناً ومات

ألم تر قدي وهذا الجمال

وفيلا أبي الشيخ شخص الكمال

وأمي من الخالدات العظام

وما كل ذا ليقيني الحمام

ولا فرق إما نهاراً يتاح

وإما مساءً وإما صباح

فلا بد قرمٌ بنصلٍ يطير

يجندلني أو بسهمٍ طرير

فخر لقاوون ممتقعا

ومن جوفه لبه انخلعا

وعاف القناة ومد يديه

وآخيل في الحال مال عليه

بسيفٍ بحديه غاص بصدره

بترقوة الجيد من تحت نحره

فخر على وجهه والتوى

ووجه الثرى من دماه ارتوى

وآخيل ألقاه من قدمه

إلى النهر مختضباً بدمه

وصاح فرح مطعماً للسمك

يمص بهامي الجراح دمك

فلا أم ثم عليك تصيح

هنا الإسكمندر فيك يسيح

فيلقيك للبحر حيث يدب

إليك من اللج حوتٌ يثب

ومن شحمك الغض يؤتي الغذا

أجل فلتبيدن طرّاً كذا

تفرون دوني وسيفي يفل

كذاك بإليونكم نستقل

فيلس بواقيكم النهر ذا

بفضي مجراه شر الأذى

ولا ما ذبحتم له من عجول

ولا ما طرحتم به من خيول

نعم يتبيدون طرّاً هنا

فداء لذي البأس فطرقلنا

وجندٍ بسيفكم قتلوا

وآخيل إذ ذاك معتزل

كذا قال والنهر زاد احتداما

وفكر كيف ينال المراما

وكيف بصد أخيل يزيل

عن القوم شر الهلاك الوبيل

ولكن آخيل بالرمح زف

على عسطروف سليل الشرف

هو ابن فليغون من نسبا

لأكسيسٍ وإلى فيربا

فأكسيس النهر قد كان هام

بها فحبته بذاك الغلام

ألا وهي ذات المكان المكين

وبكر بناتٍ لدى أكسمين

له عسطروف بواري الزماع

تربص محتدماً لا يراع

برمحيه قام يروم لقاه

وزنث ببأسٍ شديدٍ حباه

وكم كاد زنث أخيل بما

به من خيار الجنود رمى

ولما تدانى بذاك البراح

كلا البطين فآخيل صاح

أيا الذي لم يرعه جلاد

أخيل فمن أنت من أي ناد

فويل أبٍ لم يهبني ابنه

فلا شك ينهكه حزنه

فقال وما بانتسابي تروم

فداري البعيدة دار القروم

فيونا الخصيبة منها الرجال

معي أقبلوا برماحٍ طوال

ومنذ بلغت لهذا المقر

ببهمي ذا اليوم حادي عشر

وجدي أكسيسٌ خير نهر

بماءٍ زلالٍ على الأرض يجري

وأنبئت أني سليل فتاه

فليغون ذي البأس رب القناه

فأقبل إلي فأوما أخيل

عليه بعود القناة الطويل

فزج هنا عسطروف إليه

بكلتا قناتيه من راحتيه

وقد كان يحكم زج النصال

بكفٍّ يمينٍ وكفٍّ شمال

فنصلٌ بظهر المجن وقع

بعسج هيفست حيث اتردع

ونصلٌ ذراع أخيل قشر

فمنه يسير النجيع انفجر

وغل يغوص بفرط ظماه

إلى النقع فوق الحضيض إزاه

فآخيل بالرمح فوراً قذف

فطاش إلى الجرف حيث وقف

وغاص إلى وسطه باضطراب

من العنف يرتج فوق التراب

فسل أخيل حساماً صقيلا

على جنبه الصلب كان أميلا

ورام الفيوني اقتلاع القناه

ثلاثاً فخابت ثلاثاً مناه

ولما انثنى خاسراً وبدا

عياه إلى كسرها عمدا

لواها ولكن أخيل وثب

عليه ببتاره وضرب

فخر وأجفانه انطبقت

وللأرض أحشاؤه اندفقت

ففي صدره داس يدخر

صفائحه وهو يفتخر

هنا مت فليس يهون عل

بني النهر حرب سليل العلى

فإن كنت من نسل نهرٍ كبير

فإني من آل زفس القدير

أبي قيل المرمدون الحميد

أبوه إياك بن زفس المجيد

لزفس عنا كل ربٍّ فخور

وأبناؤه فوق ولد النهور

فذا زنث دونك هيهات أن

يقيك ويدفع عنك المحن

ومن ذا الذي دون زفس يقف

ومن أخلوسٌ يرتجف

ونفس المحيط أبى كل بحر

ونهرٍ وينبوع ماءٍ وبئر

إذا زفس من جوه رعدا

تراه بلجته ارتعدا

وجر مثقفه وهناك

ثوى عسطروف بغير حراك

على الجرف من حوله تندفق

مياهٌ بنينانها تصطفق

تقاطر مندفعاتٍ لديه

لكي تنهش الشحم من رئتيه

وقم الفيونة مذ أبصروا

زعيمهم دمه يهدر

وزند أخيل رماه قتيلا

لديه على زنث ولوا فلولا

وخلهم ابن أياك انطلق

يبيد القروم بتلك الفرق

كثر سيلخٍ ميدنٍ إينيوسا

أفيلست عسطيفلٍ ثرسيوسا

كذا إمنسوس ولولا تصدى

له النهر فل الجموع وأردى

تصدى له حانقاً وخرج

بزي فتىً من عباب اللجج

وصاح بصوتٍ دوي بالجدود

آخيل رعتك سراة الخلود

لقد فقت بالبأس بهم الزمر

كما فقتهم بعتوٍّ وشر

إذا زفس أولاك قهر العدى

أما لك في السهل كل المدى

فدعني فسيلي هذا الدفاق

بأشلاء قتلى الطرواد ضاق

فلا منفذٌ لغصيص زعابه

إلى البحر ممتزجاً بعبابه

كفاك صدقتك فتكٌ ذريع

فقد راعني منك هذا الصنيع

فقال أمرت وأنت المطاع

أيا إسكمندر في تي البقاع

على أنه ليس لي من مرد

إلى أن أردهم للبلد

وهكطور ألقى ببأسٍ شديد

يبيد به أو حياتي يبيد

وهب كربٍّ وراهم يصول

فصاح بفيبوس زنث يقول

أيا رب قوس اللجين الأغر

أفاتك مطلب زفس الأبر

أما بك أرسل معتمداً

إلى قوم طروادةٍ عضدا

تدافع حتى براح تغيب

ويسبل ستر الظلام القريب

وأما أخيل فما ارتدعا

وللنهر من ثغره اندفعا

هنالك زنث احتداماً طغا

وأزبد منتفخاً ورغا

وثار وعج كثورٍ يخور

بتياره مستشيطاً يمور

وفاض على جثثٍ طرحا

بمجراه آخيل مجترحا

فمن مات ألقاه في ثغره

ومن عاش واراه في قعره

وحول ابن فيلا جحافاً جرافا

تدافع حتى على الجوب طافا

به قدماه تقلقلتا

فما بهما بعد ذا ثبتا

تشبث بالمهجة الزاهقه

بدردارةٍ غضةٍ باسقه

فمالت وآخلها تتفكك

إلى الأرض أهوت به تتبتك

ويانع أغصانها انتشرا

ووجه الحضيض بها انقشرا

وظلت كجسرٍ عظيمٍ يحول

وصدت مجاري تلك السيول

فريع أخيل وفر يطير

إلى السهل فيه حثيثاً يسير

ولكن تقفاه ذاك الإلاه

بتياره المدلهم وراه

يروم له ذلةً وانخذال

فيكفي الطرواد شر الوبال

فخف أخيل كطيرٍ يدف

على بعد مرمى الرماح يزف

كحالك نسرٍ عثا بالطيور

وقصر عنه هفيف الصقور

وراح يفر على ذعره

يصل السلاح على صدره

وفي إثره النهر حيث التوى

تعقبه طاغياً ودوى

كأن امرءاً بنظير الغياض

سقى بدفاق العيون الرياض

فطهر قبل انصباباتها

مجاري المياه بمسحاته

فما خلت إلا انبجاساً تدفق

تدافع فوق حصىً تترقرق

وخر خريراً مذ انحدرا

يسيح ودافعه قصرا

كذا حيث دار أخيل يميل

بآثاره زنث سد السبيل

ولا بدع فالناس لا قبلا

لهم أبداً بموالي الملا

فكم مرةٍ بخطاه تربص

لزنث يرى هل إذاً يتخلص

وهل كل آل العلى اعتصبوا

عليه ليخذله الهرب

فما كان من زنث إلا ارتفع

إلى كتفيه بتلك الترع

فهب ومحتفزاً وثبا

بأزمته فعلا الهضبا

ولكن زنث التراب جرف

فموقف آخيل فيه انخسف

هناك التوت هلعاً ركبتاه

فأن وصاح يروم النجاه

أيا زفس هل لا إلاهٌ قدير

يرق لحالي به أستجير

فإن أنج من زنث فلينزل

علي بلا النوب الهمل

فليس بآل العلى جملةً

كأمي من سامني ذلةً

فكم خدعتني بقول الكذوب

وكم زعمت باشتداد الخطوب

بأني قبالة هذي الحصون

بسهم أفلون ألقى المنون

علام بعامل هكطور لا

هلكت وأخبره البطلا

لو اجتاحني وسلاحي سلب

لقيل همامٌ هماماً ضرب

على أنني اليوم في ذا المكان

أموت بذا النهر موت الهوان

كراعي خنانيص غرٍّ ولج

خليجاً منه قط خرج

فلما انتهى فوسذٌ أسرعا

لنجدته وأثينا معا

بهيئة إنس له اعترضا

وبالأنس راحته قبضا

فخاطبه فوسذٌ أولا

ألا يا ابن فيلادع الوجلا

ألا هان رفدك راما هنا

أثينا بحكمتها وأنا

بنا زفس أسرى إذاً فاسمع

وكل نصائحنا فاتبع

فزنث ستلفيه عاف أذاكا

وما كان في الغيب فيه رداكا

فلا تغمد السيف حتى ترى

بإليون جيش العدى انحصرا

وهكطور تصمي وللسفن

تعود بمجدٍ رفيعٍ سني

هما انقلبا للعلى والبطل

بجملته للكفاح اشتعل

ومن حوله السهل حيث لمح

بما فاض من زنث طرّاً سبح

غثا بسلاحٍ عليه يطوف

وأشلاء قتلى ابترتها السيوف

فكر وما بعد ذا ناله

خمولٌ وزنث فما هاله

أثينا أنالته عزماً جديد

فما راعه بعد منه الهديد

فبرح بالنهر ذاك الغرور

فزاد اضطراباً وعج يفور

وصاح بسمويس مستنجدا

أخي هلم فعجزي بدا

هلم كلانا هنا نعتصب

على رجلٍ واحدٍ ونثب

وإلا فمعقل فريام ذل

له والطرواد سيموا الفشل

هلم وفض بالعيون الكبار

وأجر السيوف غزاراً غزار

وقض الصخور على الشجر

فتنفتر عزمة ذا المفتري

عتا مستبدّاً كبربٍّ فخور

وعاث اعتسافاً يهيل الثبور

فلا نال في حسنه وقواه

ولا بصفائحه مبتغاه

سيلبث ذاك السلاح المتين

بقعر المياه دفين الغرين

وأطمر بالرمل ذاك الجسد

عليه يهال قضيض الزبد

هناك يقيم بشر مقامه

فلا يهتدي قومه لعظامه

وأكفيهم عبء قبرٍ يشاد

له يوم يلتزمون الحداد

ومن ثم هاج عليه وماج

ودمدم يدوي بذاك الفجاج

رغا زبداً ودماً وخبث

وتياره احمر تحت الجثث

وماد بآخيل بضطرب

وهيرا بسدتها ترقب

فصاحت تولول مذ أطبقا

عليه فأوشك أن يغرقا

بني حبيبي الأعيرج طر

فقرنك زنث فقيه استعر

هلم انجدنا بنارٍ تثور

وأغري الجنوب أنا والدبور

من اليم بالنوء تصطدمان

فتلهم نارك كل مكان

تذيق الطرواد دهم البؤوس

وتقني صفائحهم والرؤوس

فلا تبق في ثغره شجرا

وفي قلبه انقض مستعرا

ولا يغرينك لا بفديد

ولا بالتماسٍ ولا بوعيد

ولا تخمدن أوار السعير

إلى أن أصيح بصوتٍ جهير

فأرث بالسهل ناراً ذكت

بأشلاءهم أولاً فتكت

كماةٌ رماهم أخيل العنيد

وما كان أكثر ذاك العديد

فما خلت إلا الثرى يبسا

وطغيان زنث به انحبسا

كروضٍ سقاه الحياء تهف

شمال خريفٍ به فيجف

فيجذل زارعه طرباً

ومن ثم هيفست ملتهبا

أدار على زنث نار الشرار

فثار بمجراه واري الأوار

فدرداره باد من أصله

بصفصافه وكذا أثله

كذا السعد والسدر والخيزران

بآصلها والفروع الحسان

برمتها اتقدت شررا

فلم تبق عيناً ولا أثرا

وأسماكه كل حيتانها

وحياتها فوق نينانها

تغوص فلولاً بضيق النفس

لهول المهب وحر القبس

وفي قلب زنث استطار يعيث

حميم الصلا فدعا يستغيث

هفست بنارك مالي قبل

فأي إلاه تطلب ذل

كفى كف وليفتك ابن أياكا

بطروادةٍ فيذيع الهلاكا

فما لي وهذا الوبال الألد

كذا صاح لكن هفست استبد

وأج بغدران زنث ففار

كقدرٍ تفور بنارٍ تثار

يسيح بها شحم رتٍّ سمين

على حافها يسرةً ويمين

ومن تحتها يابس الحطب

بموقده فادح اللهب

كذا زنث لما به اشتعلا

سعير هفست علا وغلا

ولم يجر بل فار متقدا

فهيرا دعا يطلب المددا

علام بحقك دون سوايا

سليلك هب يروم أذايا

أمن كل أنصار طرواد هل

تخالين أني المسيء الأضل

فإن شئت لاجئتهم بعد ذا

كفاه كفى فليكف الأذى

ولن أبتغي بعد رفدهم

بذاك نعم علناً أقسم

ولو كل طروادة احترقت

بنار الأخاءة وامحقت

فهيرا استجابت وصاحت كفى

بني فقف ذاك حد الجفا

فما فوق ذا جاز أن نشجنا

بني الخلد من أجل قوم الفنا

فأخمد هيفست نيرانه

وأجرى كذا زنث غدرانه

وهيرا بغلٍّ مرارتها

إليه سعت بوساطتها

فثم بكشفة زنث الوفاق

وثار بآل الخلود الشقاق

فقامت لهم ضجةٌ وعجيج

من الأرض للجو يعلي الضجيج

وزفس لفتنتهم والصخب

لقد هزه بعلاه الطرب

وما لبث الخطب أن فدحا

فهبوا يثيرون تلك الوحى

واولهم خارق الجنن

أريس تصدر للفتن

أثينا أتى بشحيذ الذباب وصا

ح اخسئي يا ذباب الكلاب

علام بنا هجت هذا اللدد

بشر عتوٍّ عدا كل حد

أأنسيت يوم ذيوميذ صال

علي وأغريته للنضال

وسددت عامله فاستطار

ومزق جلدي فثارٌ بثار

وإذ ذاك عامله دفعا

ففي ظهر مجوبها دفعا

مجنٌّ وهيهات نفعل به

صواعق زفس في غضبه

فما كان إلا أن التوت

وجلمود صخرٍ تناولت

هنالك ذا الصخر منذ القديم

لتلك المعالم حدّاً أقيم

ثوى هائلاً حالكماً خشنا

رمته به بيسير العنا

فحلقومه دق فانقلبا

وسبعة أفدنةٍ حجبا

فعفر بالترب ذاك الشعر

وصل السلاح عليه وصر

فصاحت إذا ابتسمت جذلا

جهلت وما الحق أن تجهلا

وفاتك حمقاً سمو قوايا

فأقبلت مستهدفاً لبلايا

فذق من صلى أمك اللعنات

لظى أزماتٍ على أزمات

جزاء اطراحك رفد الأخاء

وعون الطراود أس البلاء

وعنه بألحاظها أعرضت

هنا عفرذيت له عرضت

وقادته من يده تتدفق

دماه بحسٍّ تضعضع يشهق

وهيرا على البعد تبصرها

فصاحت بفالاس توغرها

ألا فانظري قحة الزهره

تفاقم والحرب مستعره

عليك بها فلقد أدبرت

بآريس هول الملا وجرت

فهمت أثينا وقد طفحا

لذا لب مهجتها فرحا

براحتها صدرها لطمت

فخارت قوى عزمها وارتمت

كذا عفرذيت وآريس ظلا

طريحين فوق التراب وذلّا

هما لبثا بعنا وزفير

وفالاس صاحت بداوي النعير

كذا فليبد من لطرواد ما

وسام الأغاريق شر النكال

فلو أن جملة أنصارهم

إلى الحرب ثاروا بكبارهم

بعزمٍ كما عفرذيت بدت

لنجدة آريس مذ عربدت

لكف القتال العنيف الوبيل

وإليون دكت لعهدٍ طويل

فهيرا لذا ابتسمت واستطار

إلى سيد النور رب البحار

أوار سراة العلى مضطرم

لماذا إذاً نحن لا نصطدم

أترضى الهون وعار القفول

لقبة زفس بهذا الخمول

إلى الحرب فيبوس قم وتهيا

فإنك أحدث سنّاً فهيا

تقدمت عهداً وزدت اختبار

فبادر فحقك بدء البدار

فهلّا ادكرت أأحمق كم

بإليون برح فينا الألم

بنا زفس أرسل دون الجميع

إلى لومدون فجئنا نطيع

لنعمل عاماً بخدمته

فنقبض معلوم أجرته

فشدت الحصون الحسان الفسا

ح تعز امتناعاً ولا تستباح

وأنت سرحت بتلك البقر

على شم إيذا الكثيف الشجر

ولما عنا جهدنا اكتملا

وحان لنا نقبض البدلا

وأقبلت الساع بالفرج

أبى لومدون لما نرتجي

فأرسلنا خاسئين وأقسم

وهم بآذاننا أن تصلم

وهم بغلك رجلاً وزندا

وبيعك في جزر البحر عبدا

تعمد شر خيانتنا

فعدنا بغل حزازتنا

أمن أجل هذا وليت بينه

ولم تنتقم مثلنا من ذويه

لنفني طروادة الكافره

وأبناءها والنسا الطاهره

فقال أفوسيذ هل خلتني

قصير الحجى فاقد الفطن

فمن أجل من أنا أبرز لك

أمن أجل إنسٍ ثواة الدرك

وما الإنس في الأرض إلا ورق

تراه نشا يانعاً وبسق

معيشته من نتاج الثرى

ولكنه صاغراً دثر

فدعنا إذاً من وبيل النضار

ودعهم يجولوا بحربٍ سجال

وعنه تقهقر محتجبا

لقاء أخي زفس مجتنبا

فلاحت هناك له أخته

فنيص الضواري تبكته

أراك انهزمت أرامي السهام

وخولت فوسيذ كل المرام

لماذا برزت بقوسٍ طحور

وأبرزت بين الصدور الغرور

فهل بعد ذلك ذا تزعم

بباسك فوسيذ تقتحم

فصد ولم يلق بنت شفه

وهيرا استطارت بها الأنفه

على أرطميس انثنت بالخطاب

تعنفها بشديد السباب

وصاحت أياكلبةً يا وقاح

أفي ظل وجهي هذا الصياح

ستصلين نيران غيظي وإن

برزت بقوسٍ لغيري ترن

جعلت نعم لبوةً للنسا

تنيلين من شئت مر الأسى

ألا ما فتكت بوحشٍ ربا

بشم الجبال وغر الظبا

وعفت البروز بحمق الشطط

لمن لا تطيقين لقياه قط

أرمت إذاً خبر هول المكر

خبذيها إذاً عبرةً تعتبر

هنا قبضت مذ تدنت إليها

بيسرى يديها على معصميها

ومالت بيمنى على منكبيها

تجرد قوساً تؤج عليها

وباسمةً أذنها ضربت

بتلك الكنانة فاضطربت

ودارت بجملتها تنتتر

وأسهامها دونها تنتثر

وغادرت القوس وانهزمت

بذلتها والدموع همت

كورقاء يذعرها وجه صقر

تزف لنلجأ في شق صخر

وما كان قبل له قدرا

بها قط أن ينشب المنسرا

وصاح بلاطونةٍ هرمس

بحربك هل خلتني آنس

فمن رام عرس أبي السحب

بسوء فقد ضل في مذهبي

فأمي بني الخلد وافتخري

علي ببأسك والظفر

ففوراً لجمع النبال انبرت

عن الأرض من حيث قد نثرت

وسارت على أثر ابنتها

بفارجها وكنانتها

وإذ للألمب أتت أرطميس

بقصر النحاس تبددت تميس

بعبرتها أقبلت تسبح

على ركبتي زفس تنطرح

ومن حولها البرقع العنبري

تألق يسطع للنظر

إلى صدره ضمها وابتدر

يهش لها واستقص الخبر

من الخلد من ذا عليك افترى

كما لو أتيت ابنتي منكرا

فقالت أبي تلك زوجك من

أثارت بآل السماء الفتن

كذا بحديثهما اشتغلا

وفيبوس طروادةً دخلا

لئلا يدك العداة الحصار

برغم القضاء بذاك النهار

وسائر آل العلى رجعوا

لأولمبهم حيثما اجتمعوا

لدى زفس ذاك بنصرته

طروبٌ وذا بحزازته

وظل أخيل بحر الجلاد

يبيد كماة العدى والجياد

وحيث بدا لهم فتكا

بهم ودماءهم سفكا

كنارٍ بغيظ بني الخلد شبت

ببلدة قومٍ عصاةٍ فهبت

وأعلنت دخاناً رقى للرقيع

فسيم الجميع البلاء الفظيع

وفي البرج فريام منتصبا

على البعد آخيل قد رقبا

إذا بالطرواد قد ذعروا

وكلهم شرداً أدبروا

فمن ثم مكتئباً نزلا

يحذر حراسه وجلا

ألا فافتحوا كل أبوابكم

إلى أن تدوس بأعتابكم

فلول السرى فأخيل هجم

مغيراً وواهول هاتي النقم

وإن لجأ الجند طرّاً إلى

معاقلنا فاقفلوا عجلا

لئلا يحل بحر العراك

أخيل بها وهناك الهلاك

ففتح في الحال كل رتاج

وقد رفعوا منه كل زلاج

وشذاذ طروادةٍ شرد

قضيضاً قلاعهم وردوا

يغشيهم نقعم والصدى

يحرق مهجتهم كمدا

وفيبوس خف أمامهم

يسهل ثم انهزامهم

وراهم أخيل حديد الفؤاد

يجيل حدود الحديد الحداد

وكاد يجوز بعسكره

معاقلهم بتسعره

فأغرى أفلون آغنرا

أخا العزمات ابن أنطنرا

وألهب بالبأس مهجته

وبالسحب حل قبالته

إلى زانةٍ قربه استندا

ليدرأ عنه ثقيل الردى

لآخيل آغنرٌ وقفا

ولكنه مع ذا ارتجفا

وفي نفسه قال إن أجم

لآخيل آه وانهزم

كما جندنا هلعاً هربت

لديه فعنقي لا شك بت

وإن أعتزلهم وشأنهم

وآخيل مكتسحٌ لهم

واضرب بذا السهل مجتهدا

حثيثاً لإيذة مبتعدا

وفي بعض آجامه استتر

نهاري ومن بعد ذا أنحدر

وفي النهر أغسل رشيح العرق

وأرجع لإليون عند الغسق

أفز ناجياً لا فماذا الصواب

ولا لا علام أنا بارتياب

أليس يراني طلبت الخلاص

فينقض أثري وأين المناص

ومن أين لي عدوه وقوى

بها الخلق طرّاً لديه سوا

إذا فلأقف دون هذي القلاع

للقياه محتفزاً للدفاع

فليس له غير نفسٍ تنال

وجسمٍ يشق بحد النبال

نعم زفس عظمه إنما

علمنا لقوم الفناء انتمى

ومن ثم تحت السلاح تلملم

بقلبٍ لحرب ابن فيلا تضرم

كيبرٍ قد انقض من أجمه

على قانصٍ واري العزمة

فلا يلتوي لشديد النباح

ولا للصباح ولا للسلاح

وليس يذل ولو نفذا

بعانقه منصلٌ شحذا

فإما البلوغ لمنيته

وإما ليوم منيته

كذاك ابن أنطنرٍ لبثا

لصد أخيل وما اكترثنا

فهز القنا ومد المجنا

وصاح ابن فيلا هنا أقبلنا

فهل خلت ذا اليوم إليوننا

تذل فتبلغ منها المنى

تعست فمن دون ذا غمرات

تمنى بها وكماةٌ ثقات

أباةٌ حماةق لأوطانهم

وأولادهم ولسنوانهم

إذاً أنت أنت ستلقى رداكا

هنا اليوم مهما استطالت فواكا

وآخيل بالرمح فوراً طعن

ففي ساقه بالصفائح رن

ومرتدعاً بالفضاء انطلق

وكيف نحاس هفست يشق

فهم ابن آياك يستعر

وكاد بآغنرٍ يظفر

ولكن فيبوس في الحال حال

فحجبه بغيومٍ ثقال

وأرسله سالماً يذهب

أميناً وما مسه عطب

وجاء آخيل بحيلته

كآغنرٍ تحت هيئته

لديه على السهل ولى يهيم

لينئيه عن فل جيشٍ هزيم

وراوغه طي بونٍ قليل

ليطمعه بارتواء الغليل

على إسكمندر راح يجد

وآخيل في إثره مبتعد

وطروادةٌ بمناسرها

وهلع جند عساكرها

لهم لاح في بعده الفرج

بغير هدىً سوارهم ولجوا

لدى ألباب لا أحدٌ أحدا

تربص يرقب مفتقدا

ليعلم من باد ممن سلم

ولكهم هالعٌ منهزم

فغصت وماجت بهم لغطا

ولم ينج إلا حثيث الخطى

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن سليمان البستاني

avatar

سليمان البستاني حساب موثق

لبنان

poet-Suleyman-al-Boustani@

139

قصيدة

86

متابعين

سليمان بن خطار بن سلوم البستاني. كاتب وزير، من رجال الأدب والسياسة، ولد في بكشتين (من قرى لبنان) وتعلم في بيروت. وانتقل إلى البصرة وبغداد فأقام ثماني سنين، ورحل إلى ...

المزيد عن سليمان البستاني

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة