إلى/ أمي الغالية التي أحبها
ما يحزنني ، وما يؤلمني في آن ، في هذا اليوم يا أمي ، هو ليس لأنني أقبع بعيداً عنكِ ومنكِ ، في الجزء القصي من العالم ، أجرُّ ذيول خيبتي . بل ما يؤلمني هو أنني لم أملك صورة لكِ أحدق ملياً فيها وأبكي .
ما يحزنني أكثر هو ألا أراكِ ، فأمتلء بكِ ، ألا أحس بالزهو والفخر والذنب في آن وأنا أنظر إلى تقاسيم وجهكِ التي نحتتها ظروف الحياة القاهرة .
كنتُ دائماً ما أتساءل ، كيف لحياة دون أم أن تغدو ذو معنى ؟ كيف تحتمل ؟ وكيف تُعاش ؟
كيف لأحد أن يعيش بلا أم ؟ يا له من يتم لا يحتمل .
ربما ما كان ينبغي لي أن أخرج من بيت أمي خطوة واحدة . ربما ما كان ينبغي لي أن أرتكب تلك الحماقة التي أبداً لا تغتفر .
ولكني لن أغفر لنفسي أبداً ، إن مت وتركت أمي وحيدة ، دون أحد يهتم بها .
أعلمُ جيداً أنني لم أقدم لكِ يا أمي أي شيء ، ولا حتى القليل ، لأرد لكِ بعض جميل ، قد قدمتها لي .
وحدكِ لم ترد لي طلب ، ووحدكِ لم تطلبني شيء برغم أنني مغترب ، وأملك القليل من المال .
أيا مريم ، ها أنذا إبنك الوحيد العالق في شرك المنافي ، أكتب لكِ الآن ، أو بالأحرى أخربش لكِ بعض أشياء لا يمكن أن نسميها كتابة ، بأي حال .
أكتب لكِ الآن ، والدمع يطفر من مقلتيَّ ، كدفق البحر ،
لكم أردتُ في هذه اللحظة ، أن أكون معكِ ، بقربكِ ، نحتضن بعضنا ونبكي بكاءً مراً .
فيما مضى ، أظنني لم أكن أعرف ألم غياب الأم ، كما أعرفه الآن ، ربما يرجع ذلك إلى قربكِ مني . ولكن الآن بعد أن فرقتنا سطوة الجغرافيا ، عرفت ذلك جيداً .
أعلمُ أنكِ قوية بما يكفي ، حتى لا تنهاري تحت ضربات الحياة المتكررة بلا توقف .
كنتُ دائماً ما أتمنى لكل النساء أن تصبحن ميارم مثلكِ ، قويات ، صلبات ، شجاعات ، منتجات ، لا يخفن ، لا يخشين من شيء .
كنتِ وحدكِ ولم تزل ، أمرأة وحيدة عبدتها في حياتي .
كنتِ وحدكِ ، ولم تزل ، إلهتي . أتضرع بحب لكِ .
أعتقد الآن ، أن كل العلائق بين بني البشر ، قابلة للفناء والتلاشي والإندثار ، إلا علاقة الأم وإبنها ، فهي باقية ، خالدة ، ثابتة لا تهزها أي عاصفة أو بركان .
الآن ، كم أشتاق إلى طبخكِ يا أمي ، كم أشتهي عصيدة الضامركي بملاح كول أو روب ، يا لها من أكلة شهية لا تقاوم ، وخاصة حينما تطبخ بحب .
كنتُ مرةً أتسامر مع نصف حبيبة ، فأخبرتها عن حبي للعصيدة ، فقالت لي أنها لا تحبها بأي حال ، فقلت لها : هذا يعني أن فرص أن تكون معي قد تضاءلت .
ثم أردفتُ " يمكنني التنازل عن كل شيء إلا القصيدة ، فوحدها ما أبقتني على قيد الحياة " .
فشكراً لكِ من أعماق قلبي ، على كل شيء . على الحب الذي لا حد له ، على الدعم المادي والمعنوي ، على تفهمكِ لي في كل شيء .
صِدقاً ، شكراً لكِ يا أمي الغالية ، فلولاكِ لما كنتُ الشخص الذي أنا عليه الآن . لولاكِ لكنت محض لا شيء ، لكنت محض عدم وكفى .

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبد الوهاب لاتينوس

avatar

عبد الوهاب لاتينوس حساب موثق

السودان

poet-abdel-wahab-latinos@

50

قصيدة

274

متابعين

الشاعر الشاب عبدالوهاب محمد يوسف المعروف باسمه الأدبي عبدالوهاب لاتينوس، ابن مدينة نيالا المولود في العام 1994م، درس الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الخرطوم ،عضو مشروع الفكر الديموقراطى، ومجموعات القراءة من ...

المزيد عن عبد الوهاب لاتينوس

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة