كان يمشي واهي الخطو حزينا
شارد الطرف رهيبا في خطاه
وجهه المغبّر يطوي ,
في تجاعيد الأسى بوح جراحه
كان في أحداقه سيل دموع
ولقد كان سجينا
بإسار الصمت , باستغراقه في الحزن ,
والتحديق في الأفق البعيد
ومضى عنّا وما عدنا نراه
دون أن نفلح في إدراك أغوار أساه
ظلّ لغزا في العيون
مثل وهم لا يصدّق
ظلّ باب في ضمير الغيب مغلق
***
نحن كم جئنا إليه
وابتهلنا أن يعرّي ,
حزنه المدثور بالكتمان والصمت الرهيب
وفتحنا شرفة القلب له ,
وغمرناه بسيل من حنان
كان لا يعرف معنى الإبتسام
كان يحيا عمره دون كلام
فهو دوما صامت الحرف يعيش الكلمة
في أتون الشوق في عينيه في قلب الحياة
***
أمس والظلمة كانت تحضن البلدة والليل حزين
كنت وحدي ,
أعبر الدرب إلى بيتي القديم
أنقل الخطو وفي الأعماق ينمو ,
ألف إحساس كئيب
ينسج الليل مع الوحشة والخوف طريقي
كنت وحدي وخيالات من الأمس القريب
زاحمت فكري وهزّت ,
خافقي الثاوي بعمق اللاقرار
وتحقّقت يقينا
أنّ درب الغربة السوداء دربي
أنّني أمخر في المنفى بحارا وبحار
مرفأي ضيّعته , والمركب المهزوم تنئيه الرياح
فجأة لاح أمامي ,
ذلك العابر يمشي واهي الخطو حزينا
جفّت البسمة في قلبي ,
وكأن الليل ينساب كئيبا
يسكب الحزن الأصيلا
في وعاء الروح , في عمق قراري
ذلك العابر قد عانق ظلّي
يوقظ الأمس فلا يجدي فراري
من خيوط نسجت في الحلم في ليل السهاد
جعبة الأحلام ضاعت بين أكوام الضباب
وتلاشيت وحيدا في الزحام.