الديوان » العصر الأندلسي » التطيلي الأعمى » ونبئت ذاك الوجه غيره البلى

عدد الابيات : 54

طباعة

ونبئتُ ذاك الوجهَ غَيّرَهُ البِلى

على قُرْبِ عَهْدٍ بالطّلاقة والبِشْرِ

بكيتُ عليه بالدُّموعِ ولو أبَتْ

بكيتُ عليه بالتجلُّدِ والصبر

فليتهم واروا ذكاء مكانه

ولو عرفت في أوجه الأنجم الزهر

وليتهمُ وارَوْهُ بين جَوَانحي

على فَيْضِ دَمْعي واحْتدامِ لظى صدري

أمُخْبِرَتي كيفَ استقرّتْ بكِ النّوَى

على أنّ عندي ما يزيدُ على الخبر

وما فعلتْ تلك المحاسنُ في الشّرى

فقد ساءَ ظنّي بينَ أدري ولا أدري

يهوِّنُ وَجْدِي أن وَجْهَكِ زَهْرةٌ

وأن ثَرَاها من دموعي على ذِكْرِ

وَيَحْزُنني أني شُغِلْتُ ولم أكنْ

أسائلُ عمّا يفعلُ الدمعُ بالزّهر

دَعينيْ أعلّللْ فيكِ نفسيَ بالمنى

فقد خفتُ ألا نلتقي آخرَ الدهر

وإن تسْتَطيبي فابْدَئيني بزورةٍ

فإنك أولى بالزيارةِ والبر

مُنىً أتمناها ولا يدَ لي بها

سوى خطراتٍ لا تريش ولا تبري

وأحلامُ مذعورِ الكرى كلما اجْتلى

سُروراً رآهُ وهو في صورةِ الذُّعْر

أآمِنَ أن أجزعْ عليك فإنني

رُزِئتُكَ أحْلى مِنْ شبابي ومن وفْري

أآمِنَ لا والله ما زلتُ موقناً

ببينك لو أني أخذتُ له حِذْري

خُذِي حدِّثيني هل أطقتِ على النّوى

أُحَدِّثْكِ أني قد ضَعُفْتُ عن الصبر

مغالطةً لولا الأسى ما حملتُها

على مركبٍ مما وصفت به وعر

ونيتهم قد أجْمعُوا عنكِ سَلْوةً

لعشرينَ مَرّتْ من فراقك أو عشر

وأذهلهمْ حبُّ التُراثِ فكفكفوا

به زفرةً تعتادُ أو عَبْرةً تجري

ولم يبقَ إلا ذكرةٌ ربما امترتْ

بقية دمعِ الشوقِ في أكؤوس الخَتْر

وأمّا أنا فالتَعْتُ واللهِ لوعةً

هي الخمرُ لو سامحتِ في لَذَةِ السكر

أهزُّ لها عطفيّ منْ غيرِ نشوةٍ

على ما بجسمي من كلال ومن فَتْر

وأودِعُها عينيّ لا لِصَبَابةٍ

ولكن لِتَمْرِي دَمْعَ عيني كما تمري

فلا تبعدي إن الصبابة خطه

لشخصك في قلبي وإن كان في القلب

ولا تَبْعَدي إني عليكِ لواجدٌ

ولكنْ على قدرِ الهَوَى لا على قدري

ذكرتُكِ ذكرَ المرءِ حاجةَ نفسهِ

وقد قيل إن الميتَ مُنْقَطِعُ الذكر

ووالله ما وَفّيْتُ رُزْءَكِ حَقّهُ

ولكنه شيء أقمتُ به عذري

أصيخي إلى الدّاعي فليس بنازحٍ

وما بكِ عنه من وقارٍ ولا وَقْرِ

ولا تبعثي طيفَ الخيالِ فإنه

سميرُ همومٍ لا يُضيفُ ولا يَقْري

متى يَسْرِ نحوي يلقَ دوني كتائباً

من السُّهْدِ آلتْ لا تسيرُ ولا تَسْري

وعهدي به إنْ لم تُحِلْهُ يدُ البِلى

جديراً بأن يَشْكو الوَنَى وهي في الخِدْرِ

إذا أجْرَسَ الحليُ استُطيرَ وقلّما

مشى فيه إلا ريث يختال للزهر

فإن يأبَ إلا برّه فابعثي به

على رقْبَةٍ مما هناك وفي سشتْر

وكان الأسى نذراً عليكِ نَذَرْتُهُ

ولكن أراد الشوقُ أكبرَ مِنْ نذري

ومن لي بعينٍ تحملُ الدمعَ كلّهُ

فأبكيكِ وحدي لا اقَرُّ ولا أدري

ولي مقلةٌ أفضتْ بها لحظاتها

إلى عَبَرَاتٍ جَمّةٍ وكرىً نَزْر

وكان حراماً أن تجودَ بدمعةٍ

وقد تركتْها الحادثاتُ بلا شَفر

ولكنْ حداها الحُزْنُ فاستوسقتْ به

وأكبرُ ما يُعِطي البخيلُ على قسر

فإنْ أنا لم استسقها لك نجدتي

فلا عرك الورَّاد من سَبَل القطر

أنمضِي الليالي لا أراكِ وربّما

عَدَتْنِي العَوَادي عنْ طِلابِكِ في الحَشْر

في عَزْمَةٌ لو خِفْتُها لَسَبَقْتُها

إليكِ ولو بين السماكينِ والنسر

ألا ليتَ شِعْري هل سمعتِ تأوهي

فقد رعْتُ لو أسْمعتُ قاسيةَ الصخر

وهل لعبتْ تلك المعاطفُ بالنُّهى

كسالفِ عهدي في مجاسِدِها الحمرِ

ونبئتُ ذاك الجيدَ أصبحَ عاطلاً

خذي أدمعي إن كنتِ غضبي على الدر

خُذي فانظميها فهيَ كالدرِّ إنني

أرى علتي أوْرى بها وهي كالجمر

خذي اللؤلؤَ الرطب الذي لَهِجوا به

مَحارَتُهُ عيني ولُجّتُه صَدْري

لعلكِ يَوْماً أن تَرَيْهِ فتذكري

وسائلَ لم تَعْلَقْ بلومٍ ولا عُذْر

خُذِي فانظميه أو كليني لِنَظْمِهِ

حليّاً على تلكَ الترائبِ والنحر

ولا تخبري حُوْرَ الجنانِ فربما

غَصَبْنَكِهِ بين الخديعةِ والمكر

أيا قُرّةَ العينِ اعتباراً وَحَسْرَةً

أَجِدَّكِ قد أصبحتِ قاصمةَ الظهر

برغميَ خُلّي بين جِسْمِكِ والثَّرى

وإن كنتُ لا أخْشى الترابَ على التبر

هنيئاً لقبرٍ ضمّ جسمَكَ إنه

مَقَرُّ الحيا أو هالةُ القمر البدر

وإنك فيه كلما عَبَثَ البلى

بأرجائهِ كالغُصْن في الورق النضر

إذا جئتِ عدناً فاطلبينا فقلَّما

تقدمتنِي إلا مشيتُ على الأثر

ولا تَعْذُليني إن أَقمتُ فربَّما

تأخَّر بي سعيي وأَثْقَلني وِزْري

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن التطيلي الأعمى

avatar

التطيلي الأعمى حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-Al-Tutili@

111

قصيدة

117

متابعين

أحمد بن عبد الله بن هريرة القيسي أبو العباس الأعمى التطيلي. شاعر أندلسي نشأ في إشبيلية. له (ديوان شعر - ط) و (قصيدة - ط) على نسق مرثية ابن عبدون ...

المزيد عن التطيلي الأعمى

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة