//قالت الدقائق// أنا أثمنُ من أن تُبَدِّدني في مناقشةِ هذا المتعصّب السعيد دعهُ يذهبْ في سبيلهْ لا تحاول إقناعه بشيء شجرةُ البلاستيك مهما رويتها لا تنمو عليها ورقةٌ واحدة ** //قالت القلعة// كما تلاحظون لم أستطع حمايةَ أحد حتى نفسي مات المدافعون والمهاجمونْ ماتت الأيدي، المنجنيقات الأسقف الأسوار الصور والزوجات المنتظرات المشاعل والصمت والوقت الشجعان ماتوا. والجبناء أيضاً ومات كثيرٌ من الحجارة أما الأبراج... أرادت القلعةُ أن تواصلَ الشرح لكنّ السيّاح مكتفين بالشرح البطوليّ السعيد أقصد الشرح المعتاد من دليلتهم السياحيّة ذات النظارات الغبية مصرّين على تخليدِ زيارتهم للموقع وحماية اللحظة من الاندثار واصلوا التقاطَ الصور الأنيقة مع الحُطامْ. ** //قال الظل// غريبٌ أمرُ هذا الرجل أتبعُ خطواته أينما اتّجه وبدلاً من أن يستفزّه فضولي بدلاً من أن ينهرني أو يتجنّبني أو يطلبَ لي الشرطة ينتظر دورَهُ ليتبعني، يسير خلفي أينما ذهبت وعندما أصل بيتي يدخلُ معي من نفس الباب لم يقابلْ أحداً لم يشترِ شيئاُ لم يبادلهُ التحيَّةَ أحد لم يدخل مطعماً أو مكتباً أو مصنعاً أو مدرسة في جيبه صورةُ امرأة رأيته يمزّقها ببطء قبل أن يتلاشى في عتمةِ غرفتي، وينامْ. كأنه في بيته. ولا رفيقَ له في هذا العالم سواي ** //قال الدرج// إصعدْ إن قرّرت إهبطْ إن قرّرت الصاعد أنت والهابط أنت لكني لا أحبُّ لكَ أن تسمّي هبوطَكَ صعوداً وتلومني عندما تنزلق ويتدحرجُ جسمك إلى القاع سأقول لك شيئاً تتذكره طول العمر: لا أحدَ يتدحرجُ إلى فوق ** //قالت الغيمة// ليس صحيحاً أنه لا شكلَ لي أنا معلّقةٌ فوق رؤوسكم بأشكال تشبهكم الطفلُ يراني دبّاً الحرّاثُ يراني مخدّة الصحراويُّ يراني جَمَلاً المحقِّقُ يراني ورقةً محروقةَ الحواف الجبانُ يراني نعجة الفلّاحُ يراني بتلاتٍ وبراعم البحرُ يراني جدّته الأولى وابنته الأخيرة الباذنجانة تراني لمعةَ الماءِ على ملاستها الشاعرُ يراني حتى في غيابي الجنرالُ المُقيمُ في حذائه لا يراني. ** //قالت النافذة// وضعني البنّاؤون أمام البحر قلتم، نافذةٌ مبهجة. وضعني البنّاؤون أمام المحاجر قلتم، نافذةٌ مزعجة. لا مديحُكم لي ولا هجاؤكم لي. ولا أملكُ قدمين لأرحل. ** //قال السلم// لماذا اخترعتموني إذا كنتم تفضّلونَ أكتافَ بعضكم؟ ** //قالت الأسلحة// لا يشتريني، هذه الأيام، بالبلايين إلا القتلى ** //قالت التجربة// من يعشْ بين البغال سوف يُقسِم أن للطير حوافرْ ** //قال النوم// العاشقة ظلت تؤجّل كلَّ موعدٍ معي وعندما ذهبتُ أتفقّدها طردتني من البيت. حظي أفضل مع العاشقة المهجورة هي التي تبحث عني كل ليلة كأن عنادي يقدحُ رغيتها وكأنها لا تشتهي أحداً سواي المعتقل يجدني حلاً لمسائل لا حل لها في المدى المنظور المومس أنا نهارها الوحيد. الجائع لي عتبةٌ تخيفه كأنها نقطةُ تفتيش لا يستطيع تجاوزَها إلا بصعوبةٍ واضحة أو غضبٍ خفيّ أو رغيفْ الحرب لم يحدث أن التقينا من قبل ** //قال النجار// كرسيُّ المدرسة مصنوعٌ من عظام الموتى كرسيُّ المقهى وغدٌ لا يعرف صاحبه كرسيُّ اللاجئ الريح كرسيُّ مُرافِقِ المريض مريض. كرسيٌّ المحقّقِ المُرعِب مصنوعٌ من السوس الكرسيُّ المتحرّك والشخص المشلول لا نعرفُ من منهما يُحَرِّكُ الآخر كرسيٌّ القاضي في بعض البلدان تصنعه شركاتُ الهاتف كرسيٌّ العُمدة الهديّة الوحيدة التي بوسع الغفير ذي البندقية الطويلة، والذكاء المحدود، أن يُقَدِّمها لسيّده. أفخمُ كرسيٍّ في الدار الغارقة سوف يَغرقُ أيضاً كرسيُّ الغيور بثلاثةِ أرجل كرسيُّ طبيبِ الأسنان أكثرُ عدلاً من غيابِكْ ** //قال الباب// وحيداً كأيِّ منتظر تكوَّرَ حول نفسه، لا ينقصه إلا الحب سيعرف ذلك وحده: الحبُّ ليس حلماً وليس نسمةً وليس خاطرة الحبُّ جسمٌ صلب له يدان وقدمان له رأسٌ يفكّرُ وعيونٌ واسعة له موقفٌ من كل شأنٍ كان أمس ومن كل شأنٍ سيكون غداً وهو ككلّ الأجسام الصلبة لا يمرُّ من بابٍ مغلق. ** //قالت البصلة// هذا السيد بصلة السطح المفضي للعمق هو العمق المفضي للسطح لا تبحثْ عن أي نواةٍ أو مركز لا تبحثْ عن أي دمٍ أو روح لا تبحثْ عن أي عناصرَ أخرى في البصلة لا تبحثْ عن أي صفاتٍ أخرى في هذا السيّدْ يكفيكَ تأمُّلُهُ إذ يُلقي، والحراسُ يحيطونَ به، خطبتَهُ والناسْ بعيونٍ بلَّلها الدمعُ، تُصَفِّقُ للعطر الطيّب: بالروح وبالدمِّ سنفدي هذي البصلة ** //قالت حبة البرتقال// لستُ رمزاً لأحدْ لستُ رمزاً لبلدْ بل أنا هذا المذاق وأنا هذا الجسدْ يا مغنّي الوطن الكذّاب، كُلْني أو فدعني فوق غصني لا تُقَدِّسْني رجاءً لستُ إلا برتقالة ** //قال المنفي// أتسابقُ مع فضّة الفجر للوصول قبل عصفور الدوري اللئيم إلى حبّة التين على أصعب أغصان تلك الشجرة التي اقتلعوها في غيابي ** //قال المصباح السحري// قال المصباح السحريّ للولد المُعدَم: كذبتْ كلُّ حكايات الأجدادِ عليك الأمنية الكبرى ليست في القمقم لم تُعطَ يدينِ لتفرُكَ مصباحاً سحريّاً وتنام استيقظْ كي تحلمْ. **
شاعر وكاتب فلسطيني، من مواليد مدينة رام الله عام 1944. تخرج البرغوثي في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بجامعة القاهرة عام 1967، ولم يتمكن من العودة إلى مدينته إلا بعد ذلك ...