في حُلمهِ صرخةُ الحصان على أسوار غيرنيكا عينه المذعورة تفّاحةٌ رازَها البرقُ. في حلمه عينا المرأة الباكية في "نصب الحريّة" لجواد سليم. وهو يُفضّلُ فتاة سلفادور دالي إذ تسلخُ فَروةَ البحر عن رمال الشاطئ كأنها منديل على زرافاته البلهاء المتراصفة حتى آخر الأفق تتدلى من صدورها أدراجٌ مليئة بألسنة اللهب... في الحلم أو في اليقظة في ساعات طوافه بين المكاتب بسطلٍ وممسحةٍ، يُلمّعُ البلاطات وهو يُغنّي أبوذيّةً حزينة، في بنوك تطنُّ بوحشة ليل التجارة مطّلاً أحياناً من شرفةٍ ما في مدينةٍ ما (مدريد، لندن الرطبة كمُخاط بزّاقة ديسَتْ تحت القدم، أو ربّما باريس) حالماً من يدري بماذا من يدري بمَن، قبلَ أن يعودَ ثانيةً إلى مهمّة التنظيف بوجوم من يدري أنه أبداً لن يعود الى الأهوار. وكلّما قرأ الأخبار (جاء في الأخبار أن طيوراً معيّنة في جزر الهبريدس باسكتلندا اعتادت ان تهاجر في الشتاء الى منطقة الأهوار في جنوب العراق منذ آلاف السنين، وجدت منذ بضع سنوات أن الأهوار التي كانت تشتّي فيها، لم يعد لها وجود، فتشردّت وضاعت ولا أحد يعلم مصيرها.) كلّما ردموا هوراً، كلّما أحرقوا خريطةً وأزالوا عالماً من الوجود، بدأ يرسمُ محموماً لوحةً جديدةً تستلهمُ الأهوار: كلَّ جُرّيٍّ، جاموسةٍ، غُراب كل شبكةٍ مفرودة للصيد في الريح كل مشحوفٍ طافٍ كالمهد أو التابوت على بحرٍ من الغِرْيَن، في غرفته ذات الكوّة الوحيدة كزنزانة ناسك، حيث يرسم الأهوار عندما يصطاد أهلها وقوفاً في المشاحيف بالفالة أو بالشِباك في الشمس، أو على ضوء الفوانيس.
سركون بولص شاعر عراقي من مواليد سنة 1944م ، في بلدة الحبانية بالعراق، انتقل في سن الثالثة عشر الى كركوك،وبدء
كتابة الشعر وشكل مع مجموعه من الشعراء((جماعة كركوك))، نشرت له في ...