أيُّ جانٍ فيكِ (وفي البدر كلف)؟ هيكلٌ من ضبابٍ، بلا كساء؛ وعينانِ من غير نور: عينا زجاجٍ هما، أم يتيمةٌ كعَينِ الصَقْلُبِ؟ كاملُ الحاسّاتِ، ولا يحسّ؛ سواءٌ في سمعهِ أغرودةٌ وبحّة، وفي التيهِ لحدُ الصلاةِ والشتيمة. حرامٌ على فيهِ أن ينبسَ وعلى شفتيهِ أن تأنسا ببسمةٍ أو جبينِهِ أن يُقَطِّب. عواتيُّ الرياح لا تهزُّهُ، وعبثُ النسيم لا يستثيرهُ: ليس للجنّ شقّ. لا يمسُّ ولا يشمّ، وإن يذقْ فأكلُهُ قيءْ. محمومٌ، أبداً في فتور؛ إن تأرجحَ فإلى حمّى، تنفُثُ الوبأ ولا يموت، أو إلى برداءَ، تشلُّ ويبقى في نشاط. في نشاط؟ وروعُهُ في هدوئِهِ وصخبُهُ في سكونِهِ، وبطشُهُ في يد لا تسدّدُ سهماً وفي جفنين مطبقين منهما شررٌ يتطاير. آويتِهِ أمداً، أخبثَ ضيفٍ على أحلى مضيف: أفتتركينَهُ يُضحي ربَّ منزل؟ إنّ الكلف في البدر سريعُ الزوال، وإلا فالمحاقُ عمّا قريبٍ وريث؛ وبحّة البلبل بنتُ ساعة، فإن عمَّرَتْ غدا والغرابَ صنوين. أفما آنَ بعدُ أن تهجريه؟ عبثٌ قتالُهُ، حتى السيفُ، في ضربِهِ، أبتر؛ بمأمنٍ لذا يعيش. واحدٌ السهمُ الذي يُرديه: صنوٌ له من الصدود أؤويه. ذا حتفُهُ، كعبُ أخيل لهُ ولي: أأفقأُ عينيَّ كل لا أشهدَ قبيحاً؟ أأعايشُ مثلَهُ لِأُبعِدَ عنّي ذكراه؟ وإن فعلتُ وظفرتُ أيُعرَفُ من الغالبُ والمغلوبُ مَن؟ ألا أكونُ أينما ريّشتُ أصابني سهمي؟
توفيق عبدالله صايغ من مواليد سنة 1923م شاعر فلسطيني، ولد في جنوب سوريا وعاش في طبريا بفلسطين لفترة من الوقت، وحصل هو وعائلته على الهوية الفلسطينية. درس توفيق في الكلية ...